تقاريرثابت

الأمراض الجلدية تفتك بأطفال غزة

الأمراض الجلدية تفتك بأطفال غزة إعداد: عبير لبد

في إحدى النقاط الطبية المنتشرة في مناطق الإيواء غربي مدينة خان يونس، أو كما يطلق عليها الاحتلال الإسرائيلي “المناطق الآمنة“، بينما كنتُ في انتظار صرف أدوية والدتي التي تعاني من أمراض مزمنة، لاحظت أعدادًا هائلة من الأطفال الذين يشتكون من بقع حمراء وبيضاء تغطي أجسادهم الصغيرة. كشف لي الممرض في قسم الطوارئ عن توافد عدد كبير من الأطفال والآباء على النقاط الطبية وعيادات الأمراض الجلدية في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة. هؤلاء الأطفال يعانون من أمراض جلدية هي الأكثر انتشارًا في الآونة الأخيرة.

أصيب أكثر من 150 ألف شخص في قطاع غزة بأمراض جلدية وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، توزعت على أكثر من 103 آلاف حالة إصابة بالقمل والجرب، و65 ألف حالة إصابة بالطفح الجلدي، بالإضافة إلى الأمراض المعوية. يُعزى هذا الانتشار إلى الظروف غير الصحية التي يعيشها النازحون في مدارس الإيواء والخيام منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر 2023.

المخيمات.. بيئة خصبة للأمراض

“الطفح الجلدي هو أكثر الأمراض الجلدية انتشارًا بين الأطفال، حيث يتم يوميًا تشخيص ما يقارب 200 حالة”، يوضح أخصائي طب الطوارئ الدكتور ميسرة حلس، مدير قسم الطوارئ في مستشفى القدس الميداني. ويضيف: “تأتي بعد ذلك أمراض الجرب والحساسية، والنزلة المعوية، والسخونة، واليرقان.”

قناة واتس اب الخامسة للأنباء

ماريا، طفلة لم تتجاوز الخامسة من عمرها، يكتسي وجهها الأبيض ببقع حمراء صغيرة الحجم، ليس بالنمش، وإنما هي بثور ناجمة عن إصابتها بأحد الأمراض الجلدية المنتشرة. تستغرب والدتها من عزو الأطباء مرضها لقلة النظافة والاستحمام، وتقول: “لا يوجد شامبو، ولا صابون، والمياه المتوفرة قليلة وغير نظيفة، غير أن الرمال والبحر هما المنفس الوحيد للأطفال للعب.”
ماريا تقيم مع عائلتها في خيمة وسط الكثبان الرملية في الجانب الغربي لمدينة خان يونس، وهي منطقة تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة. تعيش العائلات النازحة في مخيمات تفتقر إلى الوصول إلى المياه النظيفة والصرف الصحي؛ مما يزيد من انتشار الأمراض المعدية والجلدية بين النازحين.

تقول وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) إن ما يزيد على 1.8 مليون شخص من سكان غزة نزحوا من ديارهم بسبب الحرب. وأوضحت أن الأسر في غزة تعاني من قدرة محدودة للغاية على الوصول إلى المياه النظيفة ومنتجات النظافة، ما أدى إلى تفشي الأمراض الجلدية والالتهابات.

نقص الأدوية وتفاقم المعاناة

أم محمد، نازحة أخرى، تشتكي من تفاقم المعاناة مع نزوح وأمراض معدية تصيب أطفالها بالتتابع. لم يكد ابنها محمد يتعافى من فيروس الكبد الوبائي (اليرقان) حتى تنتشر البثور الحمراء على رقبة ووجه طفلتها ريفان. تعبر عن استيائها من واقع حياتها الذي تحول إلى مستنقع من الأمراض والأوبئة.
ساهمت أوامر الإخلاء الإسرائيلية في تكدس المزيد من النازحين في المنطقة الساحلية (المواصى) التي لا تتجاوز مساحتها 50 كيلومترًا مربعًا. وقد أدى هذا التكدس إلى إقامة العديد من العائلات في خيام مكتظة بالأبناء والأقارب، أو قرب مواقع تجمع النفايات ومياه الصرف الصحي. كل ذلك ساعد على انتشار الأمراض المعدية والجلدية.

أوضحت أم محمد أن ابنتها ريفان تعاني من انتشار الطفح الجلدي الذي يشبه الحروق ويتوسع على جسدها. ولعدم توفر الأدوية والعلاجات في النقاط الطبية، يُستخدم المضاد الحيوي لتهدئة الحكة مؤقتًا.

شح المياه وأدوات النظافة مثل الشامبو والصابون، وندرة الملابس النظيفة ساهم في تعقيد المشهد الصحي وانتشار الأمراض. تقول أم محمد: “لم نعد نحمم أطفالنا بانتظام؛ فمواد التنظيف نادرة وغالية الثمن، ونضطر لغسل الملابس مرة واحدة ولبسها مبللة أحيانًا، ما يزيد من تفاقم الإصابة بالأمراض الجلدية.”

انقطاع المساعدات ونقص الرعاية الصحية

توزيع المساعدات الإنسانية بما فيها أدوات النظافة تباطأ في الفترة الأخيرة بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية، ما أدى إلى افتقار النازحين إلى أدوات النظافة وارتفاع أسعارها. تبلغ سعر عبوة الشامبو 80 شيكل (22 دولارًا أمريكيًا) والصابونة 15 شيكل (5 دولارات أمريكية)، وهو مبلغ يعجز النازحون عن توفيره مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة.

ترى سهام، أم لطفلتين، أن البيت رغم تضرره يظل أفضل من الحياة في الخيام التي عاشوا فيها لخمسة أشهر خلال شتاء العام الماضي. بعد عودتها إلى منزلها، لاحظت سهام أن البثور الحمراء التي ظهرت على طفلتها تطورت سريعًا إلى طفح جلدي خطير بسبب سوء النظافة وضعف الصرف الصحي.

تفشي الأمراض الجلدية غير المألوفة يعزى إلى تكدس السكان في مراكز الإيواء والمخيمات، وارتفاع درجات الحرارة، وزيادة التعرق، وانهيار نظام الصرف الصحي الذي تسبب في تكون برك من مياه الصرف الصحي المكشوفة. يؤكد الدكتور حلس أن أكثر من ثلثي الحالات التي تستقبلها المستشفيات الميدانية هي حالات إصابة بالأمراض الجلدية.

في ظل شح الأدوية ونقص الكريمات المعالجة، وقلّة المساعدات التي تصل مقارنةً بأعداد المصابين، يبقى المستقبل الصحي للأطفال النازحين في غزة قاتمًا، ولا خيار أمام الأهالي سوى الأمل في تحسن الأوضاع الإنسانية والصحية في أقرب وقت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى