حكايا في زمن الحرب.. رفُيدة سحويل تقاوم الموت بالفن
"في الحرب، الألوان ليست مجرد خطوط على قماش، هي آلام وأحلام، ومقاومة للموت تُرسم على جدران من دم ودمار."
شبكة الخامسة للأنباء - غزة
حكايا في زمن الحرب إعداد: شيماء مقداد
من قلب غزة المحاصرة، بين أنقاض البيوت المدمرة والموت المتربص في كل زاوية، كانت “رفُيدة سحويل” تحمل ريشة فنانة وأحلام شعب لا ينكسر. وفي خيمة نزوحها التي مزقتها رياح الشتاء، كان الألم المتدفق من بين أصابعها يتحول إلى لوحات توثق جرح الوطن.
رفُيدة، رغم كل ما مرت به من فقدان للوطن والبيت والأمان، لم تستسلم، بل اختارت أن تبقى في الميدان، ترسم وتوثق مشاهد الحياة اليومية تحت القصف. لم يكن في يدها سوى قليل من الأدوات، بعض الألوان البسيطة، التي أصبحت لاحقاً وسيلة لمقاومة مادية وروحية في آن واحد.
قررت أن تفتح “معرضًا” ليس كأي معرض، (الجدار غير الأخير) كان بمثابة ساحة احتجاج على الاحتلال والدمار، وتأكيدًا على أن الفن يمكن أن يكون قوة ضد القمع والموت.
“الجدران في بلادي هشة، بين شقوقها ترى أحلام الأطفال الذين غيبتهم الحرب.”
بعد أن دمرت الطائرات الحربية كل المؤسسات الثقافية في غزة، كانت رفُيدة أول من أخذ قرارًا بالخروج إلى ساحة مستشفى شهداء الأقصى، المكان الذي اختارته لتكون لوحاتها شاهدة على معاناة الشعب الفلسطيني في الحرب، من خلال معرضها (الجدار غير الأخير).
لم تكن اللوحات التي رسمتها مجرد شكل من أشكال الفن، بل كانت رسالة واضحة للعالم بأن “الفن ليس ترفًا، إنه أداة مقاومة“. فمن خلال كل ضربة فرشاة، كانت تتحدث عن قصة شعب لا يقبل أن يُمحى من ذاكرة العالم.
في قلب كل تلك المعاناة، كانت رفُيدة تؤمن أن الجراح التي تتركها الحرب على الجدران هي نفسها التي تخلق مساحة للأمل، وأن الفن يمكن أن يخلق واقعًا جديدًا حتى في زمن الحرب.
وكما هو الحال مع الكثير من النازحين في غزة، لم يكن هناك مكان آمن دائمًا. اضطرت رفُيدة في وقت لاحق للرحيل عن منزلها في شمال غزة، لتجد نفسها في مخيم للاجئين حيث الخيام والمأوى المؤقت هو ما يُتيح لها البقاء على قيد الحياة، وهناك، وسط الخيام، أكملت رسمها، فكانت لوحاتها تروي قصة كل امرأة فلسطينية لا تعرف الانهزام.
حكايا في زمن الحرب ..
“الجدار ليس النهاية. نحن هنا نعيد بناء أنفسنا ونصنع حياة جديدة، فنحن شعب لا يعرف الاستسلام.”
في المخيم، حملت رفُيدة أدواتها البسيطة، قررت أن تتحول الخيمة التي تأويها إلى مرسم للأطفال، فكانت تملأ المكان بابتساماتهم، وتعلمهم كيف يحولون آلامهم إلى لوحات تحكي قصصهم. تطوعت للعمل معهم، ووجدت فيهم القوة التي تمنحها الأمل في استمرار الحياة.
منذ نوفمبر 2023، وبعد شهر من اجتياح الحرب كل زاوية في حياتها، لم تتوقف رفُيدة عن الرسم يوميًا. كان الرسم هو طريقة نضالها، طريقها للمقاومة، وصراعها ضد الضغط النفسي الذي كان يثقل كاهلها بعد فقدان كل شيء، تقاوم الخوف والجوع والمرض، تقاوم الموت بالفن.
تتمنى رفيدة كفنانة أن تمتلك القدرة على تخليد الأرواح التي تُزهَق، لا كأرقام أو قصص حزينة، بل كأنوار حية تضيء ذاكرة العالم.
أما كإنسانة، كانت رفُيدة تحمل في قلبها أمنية أبسط، أن يتوقف الزمن للحظة، لتراها كيف يلعب الأطفال بحرية، دون أن يثقلهم الخوف. كان حلمها أن تعود البيوت كما كانت، مأوى آمنًا، لا قبورًا. وكانت تتمنى أن يتذكر العالم أن في غزة، هناك بشر يحبون ويحلمون، ويستحقون الحياة كما يستحقها أي إنسان آخر.
لكنها تعلم جيدًا أن الأمنية وحدها لا تكفي. لذا قاومت بالفرشاة والكلمة، وحتى اليوم، في قلب الخيمة وعلى جدرانها البلاستيكية، لا تزال رفُيدة تواصل رسم لوحاتها. وكل لوحة منها هي صرخة ضد الاحتلال وضد الموت، محاولة خلق حياة جديدة وسط الدمار، وجعل العالم يرى الحقيقة، مهما كانت مؤلمة.