شبكة الخامسة للأنباء - غزة
حوامل غزة بين ألم الولادة ومعاناة الحرب إعداد: عبير لبد
“الحرب بشعة بكل ما فيها من ظروف ومشاعر، لا أريد أن ألد مرة أخرى في الحرب.” بهذه الكلمات، عبرت علا ماهر (28 عامًا) باكية عن تجربتها لإنجاب طفلها الثاني قبل شهرين. وتضيف: “كنت خائفة طيلة أشهر الحرب بأن يلحق بطفلي أي مكروه أو أن أفقده.”
توضح علا: “كنت بمجرد استيقاظي من النوم أتحسس بطني وحركة طفلي القابع هناك. بعد أن يطمئن قلبي، أبدأ يومي الذي تشابه مع الكثيرات من النازحات في مخيمات اللجوء.”
أرقام صادمة
يُقدَّر عدد النساء الحوامل في غزة بحوالي 60,000 امرأة، ويُولد ما يقارب 180 طفلاً يوميًا. ومن المتوقع أن تعاني حوالي 15% من هؤلاء النساء من مضاعفات خلال الحمل والولادة، حيث يصعب علاجها بسبب نقص الرعاية الطبية، وفقًا لبيانات صادرة عن صندوق الأمم المتحدة للسكان في فلسطين.
نزحت علا مع زوجها وابنتها من وسط مدينة خان يونس إلى الغرب، حيث المنطقة “الأمنة” المعروفة بـ “المواصى”. وتقول: “كنت أتمنى أن أضع طفلي في ظروف طبيعية، لكن أنظر للحياة التي أعيشها في الخيام، حيث نقص الطعام والمياه، وانتشار الأمراض المعدية.”
تجربة الولادة تحت القصف
مع اشتداد القصف وزيادة التوتر، تفاقمت معاناة علا، مما أدى إلى تأخر موعد الولادة لمدة تفوق الأسبوعين. اضطرت بعد الزيارات المتكررة للمستشفى إلى إجراء عملية قيصرية بدلًا من الولادة الطبيعية.
تضيف علا: “سيطر عليّ الخوف والتفكير بما سيحل بي وبجنيني، خاصة بعد أن تجاوزت موعد الولادة بأسابيع. عدا الخوف مما كنت أسمعه من الأخريات عن الوضع الصحي في المشافي في خان يونس من قلة النظافة والرعاية الصحية ونقص الأدوية وغيرها.”
تستطرد علا قائلة: “كنت في الشهر الثاني عندما طلبوا منا إخلاء مركز المدينة، ولم أتمكن من أخذ الكفاية من الملابس والأمتعة. كل ما استطعت حمله هو بعض الأمتعة الخاصة وأشياء بسيطة لي ولطفلتي، وبعض الطعام والحليب، لأن طفلتي لم تتجاوز عامها الثاني.”
تصف علا لحظة الولادة قائلة: “كانت ولادتي صعبة جدًا، يمكنني القول إنها أصعب ولادة وتجربة لي. عند دخولي المستشفى، كانت حالات كثيرة ملقاة على الأرض دون أسرة، انتظرت حتى أصبح أحد الأسرّة فارغًا. ورغم أنني أجريت عملية قيصرية، لكن شعرت بكل وخزة في بطني، وتألمت كما لم يتم تخديري أو حقني بإبرة بنج.”
التحديات الصحية في غزة
تواجه النساء الحوامل في قطاع غزة الكثير من الصعوبات في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية. نقص الأسرّة، ونقص الكادر الطبي والأطباء، وصعوبة الوصول إلى أي خدمات طبية، وحرمان الكثير من الفتيات والنساء من الحصول على فوط صحية وأدوات نظافة بسبب عدم دخول مساعدات ومستلزمات النظافة الشخصية.
في حين تتحضر أمل عامر (25 عامًا) الحامل في الشهر الثامن لولادة طفلتيها التوأم، نزحت من المناطق الشرقية لمدينة خان يونس مشيًا على الأقدام، متجاوزةً المسافات الطويلة هربًا من القصف الإسرائيلي. تؤكد أمل: “رغم يقيني بانعدام الأمان في كافة قطاع غزة، إلا أن ادعاء الاحتلال بوجود ‘مناطق آمنة’ ما هي إلا كذبة يصرح بها للإعلام.”
تسكن في مخيمات النزوح المجاورة أكثر من 30 امرأة حامل، ولا تتلقى أي منهن أي خدمة أو رعاية طبية خلال فترة الحمل. تُعاني هؤلاء النساء من قلة الأدوية والمواد الغذائية، مما يؤثر سلبًا على صحتهن وصحة أطفالهن.
التغذية والصحة
منذ اندلاع الحرب، تغير النظام الغذائي للغزيين وأصبح يعتمد على المعلبات والبقوليات، مما ساهم في زيادة حالات سوء التغذية ومشاكل الدم لدى النازحين. وفقًا لمسح صادر عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة، يُواجه 99% من النساء الحوامل تحديات في الوصول إلى المنتجات الغذائية والمكملات الغذائية، بينما 76% منهن أشارت إلى معاناتهن من فقر الدم.
في ظل انعدام أي مصدر للبروتين أو الخضار أو الفاكهة في وجبات الطعام، بدأت تظهر علامات فقر الدم وسوء التغذية على أمل، التي ترفض التعاطي مع أي وسيلة لتحسين صحتها، لهاجسها من قلة النظافة والرعاية الطبية. تقول أمل: “لا أثق في الخدمات الطبية المقدمة في المشافي والنقاط الطبية المنتشرة في المواصى، قضيت فترة حملي أتناول المعلبات والبقوليات التي تضر بصحتي.” وتضيف: “كيف يمكنني أن ألد هنا، لا توجد رعاية صحية، ولا أدنى شروط النظافة، والولادة ستكون كارثية بالنسبة لي؟”
قصص مؤلمة
في مخيمات النزوح ومراكز الإيواء، تواجه النساء الحوامل ظروفًا قاسية نتيجة نقص الأدوية الصحية وشح المياه، مما يسبب في ظروف صحية وبيئية صعبة.
في ساعات فجر أحد أيام ديسمبر الماضي، بدأت تشعر روان أحمد (40 عامًا) بمخاض الولادة وألم لا ينقطع سوى دقائق، مما أعلن عن حاجتها للوصول إلى المستشفى في ظل انقطاع لشبكات الاتصال والانترنت، واستهدافات إسرائيلية متفرقة في خان يونس.
تقول روان: “حمد الله أنني ولدت قبل بدء العملية العسكرية في خان يونس، رغم ازدحام المستشفى بالمرضى والنازحين، إلا أن الخدمات والرعاية الطبية كانت أفضل حالاً مما عليه الآن.”
تأمل روان في طفلها محمد قائلة: “انتظرته طويلاً لأكثر من ثمان سنوات، ولم أتصور ليوم واحد أنني سألد في الحرب.” ومع ذلك، أجبرت على النزوح دون أي مستلزمات للمولود، مما اضطرتها للبحث في محلات الملابس المستعملة.
بعد أسبوعين من الولادة، بدأت إسرائيل عمليتها العسكرية البرية في مدينة خان يونس، مما أجبر روان وعائلتها على النزوح من جديد إلى المنطقة الإنسانية، حيث نصبت الخيام من شوادر وقماش لتكون مسكناً لعائلات بإمكانيات بدائية.
تقول روان: “لم أتصور أنني سأربي طفلي في الخيمة وسط الرمل والمياه.” وتضيف: “كان الشتاء قارصًا وباردًا، والصغار يلعبون ويلهون بالرمال المبللة بمياه المطر، بالإضافة إلى تبلل الخيام ومستلزماتنا بالداخل.”
تُعبر روان بأسى عن معاناة طفلها: “لم يتحمل الصغير، الذي لم يتجاوز الشهر الواحد، البرد والأمراض المعدية، وأصيب عدة مرات بالنزلة المعوية.”
في ظل الظروف الصعبة، انعدمت حفاضات الأطفال والفوط الصحية، مما تسبب في ظهور الالتهابات والمزيد من الأمراض لطفلها. تقول أم محمد: “في الخيام، تنعدم الخصوصية، وأعجز عن القيام بأبسط الممارسات اليومية، ومنها العناية بالنظافة وتغيير الملابس واستخدام الحمام.”
تجربة النزوح وتأثيرها على الصحة
في اليوم الثالث من الحرب، أُجبرت رنا سمير (30 عامًا) على إخلاء بيتها جراء استهداف العمارة المقابلة لمكان سكناها في شمال غزة. بدأت رحلة نزوحها مع زوجها وطفليها، حيث تجولوا بين بيوت الأقارب والأصدقاء في أنحاء مدينة غزة وشمالها، حتى استقر بهم الحال في جنوب الوادي، وفقًا لتعليمات الاحتلال الإسرائيلي.
تقول رنا: “كنت في الشهر الثاني من الحمل في بداية الحرب، وخلال نزوحنا المتكرر، تعرضت للكثير من الغازات السامة والفوسفور المحرم دوليًا.” وتضيف: “عشت لحظات من الخوف والتوتر مع أولى الضربات في محيط البيت، مما أرهقني جسديًا ونفسيًا، ونست أنني أحمل في بطني طفلي الثالث.”
تتابع رنا: “بعد وصولي إلى خان يونس بأسبوعين، شعرت بمغص ونزيف، وتوجهت لأقرب مستشفى لمكان نزوحنا لأكتشف بأنني فقدت الجنين.” ورغم ألم الفقد، تحمد رنا الله على ذلك، خوفًا من ولادة قيصرية في ظروف صعبة تفتقر للرعاية الطبية.
تتجلى معاناة النساء الحوامل في غزة خلال الحرب، حيث يواجهن تحديات غير مسبوقة تضع حياتهن وحياة أطفالهن على المحك. إن نقص الرعاية الصحية، وغياب الظروف الملائمة، وعدم توفر المستلزمات الأساسية، جميعها تُعبر عن حقيقة مريرة لآلاف النساء اللاتي يطمحن إلى ولادة آمنة في بيئة توفر لهن الأمان والرعاية.