مقالات الخامسة

سنية الحسيني: هل تتجه إسرائيل لإشعال حرب واسعة مع لبنان؟

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

يطلق على احتمال حدوث مثل هذه الحرب «سيناريو يوم القيامة»، فشكل وتطورات وتوابع هذه الحرب المتوقعة بين إسرائيل ولبنان، قد تخلق معها كوارث إنسانية كبيرة، شبيهة بتلك التي أحدثتها إسرائيل في غزة، عندما حولت مرافقها وأبنيتها لركام وحياة سكانها لكابوس دموي مريع. وترجح العديد من المعطيات حتى الآن إمكانية حدوث مثل ذلك السيناريو المعقد في لبنان، رغم ما قد يصيب المنطقة من جرائه من دمار كبير، في حال عدم الاتفاق بين حزب الله وإسرائيل. وقد يكون المفتاح الذي يرجح الوصول لمثل ذلك السيناريو بيد إسرائيل بشكل أساس، وحزب الله على مستوى أقل، وهو ما تؤكده الشواهد والأسباب، فهل نحن أمام إمكانية تحقق سيناريو يوم القيامة؟

إن البحث في مدى إمكانية حدوث مثل هذه الحرب المدمرة يحتاج للإجابة على ثلاثة أسئلة جوهرية، الأول يرتبط بمدى وحدود إرهاق الجيش الإسرائيلي نتيجة عدوانه المتواصل على غزة على مدار تسعة أشهر، ومدى إمكانية أن يعيق ذلك الذهاب لحرب قريبة مع حزب الله؟ والسؤال الثاني يتعلق بمدى امكانية تأثر إسرائيل برسائل الردع التي أرسلها حزب الله خلال الأيام الأخيرة، والمتمثلة بقدراته العالية على التدمير، وعدم نيته التواني عن استخدامها في حال نشبت حرب كبيرة مع إسرائيل بهدف إبعاد شبح حرب مدمرة على
لبنان، بعد التصعيد المتسارع على على تلك الجبهة. ويدور السؤال الثالث حول الولايات المتحدة، وحدود قدرتها في منع نشوب مثل تلك الحرب، وهي التي لم تخف عدم رغبتها بحدوثها.
وقد يكون من المفيد أن نبدأ بالإجابة عن السؤال الثالث، والذي أثبتته التجارب الماضية، وتصريحات المبعوث الأميركي للبنان الأخيرة، والتي تتمثل في عدم قدرة الولايات المتحدة على ترك إسرائيل وحدها، في أي حرب تنوي الثانية خوضها، حتى وإن لم تكن برغبة أميركية أو تخدم مصالحها. وقد يكون موقف نتنياهو الأخير المنتقد علناً لسياسة إدارة بايدن مع إسرائيل، في ظل هذه الأشهر الحساسة التي تسبق الانتخابات الرئاسية، وتأييده العلني للمرشح الجمهوري المنافس ترامب، يرجح نيته الذهاب نحو حرب مع لبنان، تريد إسرائيل أن تضمن فيها دعم الولايات المتحدة دون قيود أو شروط.
وفي إطار الإجابة عن السؤال الأول والمتعلق بتعطيل إرهاق الجيش الإسرائيلي للذهاب إلى حرب مع لبنان، نتيجة ما لحق به من استمرار الحرب مع غزة منذ تسعة شهور، وعدم إنكار قيادات في الجيش الإسرائيلي ذلك الإرهاق الذي لحق بالجيش، يؤكد قادة ذلك الجيش على ضرورة عدم التورّط في حرب شاملة مع حزب الله، طالما بقيت جبهة قطاع غزّة مفتوحة. وقد يكون الإعلان عن الانتقال للمرحلة الثالثة من القتال في غزة، إشارة ضمنية للاستعداد لفتح جبهة لبنان.
وهناك تصريحات رسمية تشير لنية قيادة الاحتلال الذهاب لحرب مع حزب الله، فقد تم الإعلان عن تصديق قائد المنطقة الشمالية ورئيس شعبة العمليات قي الثامن عشر من الشهر الماضي على خطط عملياتية للهجومٍ على لبنان، كما اتّخذا قرارات لتسريع جاهزية الجيش، كما أعلن عن ذات التوجه رئيس أركان الجيش، بعد أيام من ذلك. وقد يكون أهم تلك التصريحات ما أعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنه يستعد لعملية ضد لبنان بعد أن يستكمل المعركة في رفح.
ان اتفاقًا كاملًا ووقفًا نهائيًّا لإطلاق النار في غزة لم يزل بعيدًا، لأن وقف الحرب تماماً في غزة الآن لن يحقق أهداف إسرائيل من هذه الحرب. إلا أن الجيش الإسرائيلي بمجرد انتقاله إلى المرحلة الثالثة للحرب في غزة سيجعله قادرًا على حشد ما تتطلبه عملية عسكرية في لبنان. وتقدر القيادة الإسرائيلية أن وتيرة الحرب في غزة ستنخفض نسبيًّا خلال الأسابيع القليلة القادمة، الأمر الذي سيسمح بمباشرة عملية أكبر في لبنان خلال شهر آب أو أيلول القادمين.
إن عدم وقف الحرب في غزة بشكل كامل، ومواصلتها بشروط أسهل لجيش الاحتلال خلال المرحلة الثالثة، يضمن استمرار حالة الاستنزاف في غزة، وتحقيق أهداف هذه الحكومة من حربها ضد الشعب الفلسطيني بشكل عام، والتي بدأتها قبل حرب غزة، في الضفة الغربية، بتصعيد الاستيطان، وبتقويض مكانة واستمرار السلطة الفلسطينية، والآن في حربها أيضا على غزة، وذلك لإرساء أوضاع جديدة في الضفة وغزة، لم يخفها قادة حكومة نتنياهو.
قد تقدم حرب واسعة رادعة لحزب الله مخرجاً سياسياً مهماً لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، خصوصا في ظل الاضطراب الداخلي بعد إصدار محكمة العدل العليا قراراً بتجنيد المتدينين في الجيش، وتوجه الكنيست بعد عطلته لإقرار قانون يكرس عدم تجنيدهم، في ظل خلافات داخله حول إقراره. تلك الصراعات الداخلية والانقسام المجتمعي في إسرائيل بين اليمين واليسار حول الإصلاح القضائي المثير للجدل، والذي بدأ مع صعود حكومة نتنياهو اليمينية، وكانت حرب غزة سبباً في تجميدها، قد تكون حرب جديدة في لبنان مخرجاً جديداً لتجميد ذلك الصراع الداخلي الذي عاد للواجهة مع معضلة تجنيد المتدينين المستمرة منذ عقود.
وقد تأتي إجابة السؤال الثالث في ثنايا ما أكد عليه المبعوث الرئاسي الأميركي، آموس هوكشتاين، خلال زيارته للبنان مطلع النصف الثاني من الشهر الماضي، حيث أكد أن الإسرائيليين يتحضرون فعلًا لحرب مع لبنان، واضعاً شرطاً لعدم الوصول لحالة الحرب، لا يطالب حزب الله بوقف القتال، وإنما يربط ذلك بانسحاب حزب الله من جنوب الليطاني. وهو ما قد يكون الشرط المحدد لعدم خوض إسرائيل حرباً قادمة مع لبنان، إلا أن تحقيقه قد لا يمنع حدوث الحرب، إن كانت في نية نتنياهو.
كان واضحاً في بداية الحرب، وتوجه حزب الله لتأجيج الجبهة الجنوبية مع إسرائيل، كجبهة مساندة لحماس واستنزاف وتشتيت لقدرات جيش الاحتلال في غزة، أن إسرائيل لم ترغب بفتح جبهة حرب واسعة مع الحزب، لحين الانتهاء من غزة. إلا أن تصاعد القتال المضبوط في الشمال، وفتح الاحتلال لحدود ذلك التصعيد، كشف تدريجياً عن مستوى تطور الترسانة التي تراكمها حزب الله، والتي باتت إسرائيل تعتبرها كاسرة للتوازن، وتكبدها خسائر فادحة. يأتي ذلك في ظل الاتهامات التي تتراشقها قيادة الاحتلال، حول هجوم حركة حماس في السابع من أكتوبر الماضي، والذي كشف عن قدرات لحركة حماس لم تكن إسرائيل تضعها ضمن حساباتها. كما أن سعي إسرائيل لاستعادة قوة الردع في المنطقة، حيث تشير التقارير الإسرائيلية إلى أن الحزب أصبح يشكل التهديد العسكري الأخطر على إسرائيل، لا يمكن أن يكتمل بالحرب على غزة دون محاربة حزب الله. إن ذلك قد يفسر قرار إسرائيل بالذهاب لحرب مع حزب الله، والذي يعني عدم الاكتفاء فقط بهزيمة حزب الله، بل وبحاضنته الشعبية، تماماً ما حدث مع حركة حماس في غزة.
اذاً نحن أمام أيام معقدة، في ظل قيادة نتنياهو وحكومته المتطرفة، ليس فقط باتجاه احتمال اشتعال جبهة لبنان، والذهاب لحرب مدمرة، قد تفتح الجبهات الإقليمية بشكل أوسع، بل ستبقى الساحة الفلسطينية مفتوحة للتصعيد في الضفة والاستنزاف في غزة، وقد تساعد التفاهمات بين الأطراف الفلسطينية المختلفة وفي لبنان لقلب معادلات العدو.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى