Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
تقاريرثابت

شتاء الخيام: معاناة مستمرة يعيشها النازحون في غزة

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

شتاء الخيام إعداد: عبير لبد

في طريقي إلى مكان نزوحي وسط مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، استوقفتني الحاجة أم محمد، وطلبت مني مرافقتها إلى خيمتها المقامة على ركام بيتها في محيط مستشفى ناصر الطبي. رافقتها إلى ما أطلقت عليه خيمة، ولكن أصابتني الدهشة عندما رأيت خيمة رثة متهالكة، عبارة عن قطع من الأقمشة المرقعة وقطع من الأغطية الصيفية باهتة اللون بفعل أشعة الشمس وحرارة الصيف الماضي. دخلت معها ورأيت دلاء وأواني موزعة في أرجاء الخيمة لتجميع مياه الأمطار، مما قيد حركتهم داخل الخيمة في برد الشتاء.

أم محمد نزحت من بيتها في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2023 إلى منطقة المواصي غربي مدينة خان يونس. تحملت مع عائلتها برد الشتاء الماضي، ولم تستطع تحمل درجات الحرارة المرتفعة ومعدلات الرطوبة العالية في منطقة البحر في مدينة خان يونس.

بعد انسحاب الاحتلال الإسرائيلي وإعلان انتهاء العملية العسكرية البرية في مدينة خان يونس في أوائل شهر مايو/أيار العام الماضي، فضلت الحاجة أم محمد وعائلتها العودة إلى منطقة سكناهم.

قناة واتس اب الخامسة للأنباء

تصف الحاجة أم محمد بصبر وثبات حالتهم لحظة مشاهدة بيتهم، وتعب زوجها المرحوم وأبنائها الثلاثة، وتحول البيت المكون من ثلاثة طوابق إلى كومة من الركام والحجارة، قائلة: “تجمدنا في أماكننا لحظة الاقتراب من البيت، لا أثر له ولا حتى معالم لشارع والبيوت المجاورة، وكأن زلزالًا ضرب المنطقة ودمر كل ما هو قائم”. تصمت وتبكي بأسى، وتتابع كنتها أحلام (اسم مستعار): “كنا على أمل بأن نجد زاوية في البيت تسترنا وتحمينا من حر الصيف وبرد الشتاء القادم، ولكن كل ذلك تحطم على ركام البيت”.

شتاء الخيام قاسٍ

أصرت الحاجة أم محمد على البقاء على مقربة من ركام بيتها، والتمسك بما تبقى لها في المنطقة. أعاد الأولاد نصب الخيمة من جديد بقطع من الستائر والأغطية الصيفية، وأعادت النسوة ترتيب المستلزمات؛ المطبخ والأغطية والفراش والملابس، ولكن نسيت العائلة موسم الشتاء الحالي، ولم تأخذ الاحتياطات اللازمة عند إقامة خيمتها بالشكل الكافي.

“غرقنا بأول مطر في فصل الشتاء الحالي”، تصف أحلام حال العائلة في الشتاء، وتضيف بحزن: “لم نتجهز لفصل الشتاء، واستقبلنا الشتاء بخيمة متهالكة لا تقي من برد ومطر الشتاء”. وتضيف: “لم نَنَم طوال الليل وبقينا نلاحق مياه الأمطار، وتفريغ الدلاء والطناجر، كي لا تتبلل الفراش”. تصمت ثم تتنهد قائلة: “دون جدوى، لقد غرقنا وابتللنا وابتل الفراش وكل شيء بالخيمة”.

لم تحصل العائلة على خيمة أو شوادر من أي جهة خلال فترة الحرب، مما اضطرها لصناعتها مما يتوفر لديها من أقمشة وستائر، خاصة في وضع اقتصادي لا يسمح بشراء خيمة أو شوادر تفوق القدرة المالية للعائلة، بعدما فقدت مصدر دخلها، وأصبحت تعتمد على المساعدات الإنسانية كغيرها من العائلات النازحة في جنوبي القطاع.

هذا ويعاني أكثر من مليون نازح، يعيش غالبيتهم العظمى في خيام بمناطق ممتدة من مواصي رفح جنوبًا مرورًا بخان يونس انتهاءً بمنطقة وسط قطاع غزة المتمثلة في شواطئ دير البلح والزوايدة والنصيرات، ظروفًا قاسية، خصوصًا أن هذا هو فصل الشتاء الثاني على التوالي الذي يعيشونه في ظروف مماثلة، لكنَّ الفصل الحالي أكثر اشتدادًا مع تكدسهم في تلك المناطق، بعد أن سيطرت إسرائيل على غالبية مدينة رفح التي كانت بأكملها إلى جانب خان يونس مأوى لهؤلاء السكان النازحين.

تحديات يومية

أما نور محمد (35 عامًا) النازحة من شمال مدينة غزة إلى منطقة مواصي خان يونس، فقد حظيت بخيمة جيدة خلال فترة نزوحها في أحد مخيمات النزوح في مدينة رفح أقصى جنوب القطاع. تقول نور: “تركت أمي وأخواتي في غزة، ونزحت مع عائلتي إلى الجنوب. كانت الكلية الجامعية في خان يونس محطتنا الأولى، ولكن ما إن استقر الحال بنا، وبدأنا بالتأقلم على صعوبة الحياة، حتى نزحنا من جديد إلى رفح”.

نزحت نور وعائلتها من شمال مدينة غزة في أواخر شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2023 عبر الممرات الآمنة (حلابات) دون أن تتمكن من جلب ما يلزمها من ملابس وأغطية شتوية، واكتفت بالضروريات، وتوجهت إلى الجنوب بالملابس الصيفية. مع حلول فصل الشتاء الماضي لم تستطع أن تلبي احتياجات أطفالها الأربعة من ملابس شتوية وأغطية كافية، خاصة بعدما فقد زوجها مصدر رزقه مع بداية الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة في السابع من أكتوبر 2023، واعتمدت على ما يُقدم إليها من مساعدات أو تبرعات من النازحين من حولها.

تحتضن نور ابنها الصغير ذو الأربع سنوات، وسط خيمتها المقامة في ساحة جامعة الأقصى غربي مدينة خان يونس، محاولةً بحضنها الدافئ مواجهة الرياح الباردة التي تتسلل داخل الخيمة، وتقول: “الحمد لله لم نغرق كغيرنا من النازحين من حولنا”. وتستدرك بحزن: “كدنا أن نموت من البرد، لقلة الأغطية الشتوية المتوفرة”، موضحة أن عائلتها لا تمتلك الأغطية الشتوية الكافية لتدفئة أطفالها، عدا نقص ملابسهم الشتوية.

بعد لحظات من الصمت، تشتكي نور من صعوبات الحياة التي تعيشها في الخيمة، والظروف الاقتصادية والإنسانية الصعبة التي تمر بها في ظل الحرب، وتوضح ذلك في نقص المواد الغذائية والطحين، واعتمادها على التكية للحصول على طعام.

تغطية مستمرة.. تابعونا على قناة شبكة الخامسة للأنباء في تيلجرام

حنين العودة

أسماء عبد الله (46 عامًا) النازحة من شرقي مدينة خان يونس، ومقيمة في خيمة من الشوادر المغطاة بالنايلون؛ لتقي من أمطار الشتاء في منطقة المواصي غربي مدينة خان يونس، لها معاناة أخرى في الحياة في الخيام، تقول: “حصنّا أنفسنا جيدًا لاستقبال الشتاء لهذا العام، وتأكدنا من عدم تسرب مياه الأمطار إلى الخيمة، وقمنا بتغطيتها بالكامل بالنايلون المقوى”.

على الرغم من انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من مدينة خان يونس، إلا أن المناطق الشرقية من المدينة بقيت منطقة حمراء، ومهددة بالقصف المدفعي، والاجتياح البري المفاجئ، مما دفع الكثير من سكان المنطقة الشرقية للبقاء في الخيام بمنطقة المواصي، حفاظًا على سلامة أرواحهم وحياتهم. تتفقد أسماء وزوجها بيتهما من آنٍ لآخر في عبسان الكبيرة شرقي مدينة خان يونس دون البقاء فيه كغيرهما من السكان هناك، وتوضح أن بيتها لحقه أضرار كبيرة، ولكنه ما زال قائمًا، واستطاعت استخراج ما يلزمها من أغطية وملابس شتوية، ومعدات ومستلزمات مطبخ وغيرها.
تستذكر أسماء إحدى الليالي الماطرة التي مرت عليها مع بناتها الأربع، عندما عجزن ليلًا عن الذهاب إلى الحمام خارج الخيمة؛ لشدة وغزارة تساقط المطر، قائلةً: “لم يتوقف المطر في تلك الليلة، وكان البردُ والرياحُ شديدين، ولم نتجرأ على الخروج من الخيمة والذهاب إلى الحمام المقام على مقربة من الخيمة”.

وتشاركها في نفس المشكلة دينا عبيد (28 عامًا) النازحة من مدينة رفح إلى منطقة مواصي خان يونس، وهي أم لثلاثة أطفال، تقول: “في البرد الشديد يكثر ذهاب الأطفال إلى الحمام، وهذا طبيعي في الظروف العادية، ولكن في ظل الخيام، فهذه مشكلة كبيرة”، وتستدرك موضحةً بأنها تقيم في مجمع من الخيام مع أقاربها، وجميعهم يشتركون في حمام واحد.

نزحت عبيد مع أقاربها من مدينة رفح في مطلع شهر مايو/أيار العام الماضي مع بدء العملية الإسرائيلية العسكرية البرية لمدينة رفح جنوبي قطاع غزة إلى منطقة مواصي خان يونس، ليكون فصل الشتاء الحالي هو الأصعب لها في ظل الخيام والنزوح. تصف عبيد الحياة في الخيام بأنها صعبة وغير إنسانية، مستغربةً كيف يمكن اختزال البيت بأكمله في خيمة من القماش، صغيرة المساحة بالكاد تكفي لمبيت أفراد العائلة، عدا أنها لا تقي من حر الصيف ولا برد الشتاء. تعتبر عبيد أن الحمام المشترك هو أكبر مشاكلها في حياة الخيام، قائلةً: “الحمام مشكلة في حد ذاته، فما بالك عندما يكون مشتركًا مع عوائل!”. تضطر عبيد للاستيقاظ بالليل لمرافقة أطفالها الصغار إلى الحمام، والاصطفاف في الطابور في جو بارد، وأحيانًا ماطر، مما يجعل أطفالها عرضة للإصابة بالأمراض المعوية والبرد.

تعيش العائلات النازحة في معاناة دائمة، حيث يفتقرون إلى الخصوصية والاحتياجات الأساسية في ظروف غير إنسانية، بينما يبقى حلم العودة إلى منازلهم المدمرة بعيد المنال.

معاناة مستمرة يعيشها النازحون في غزة
شتاء الخيام
معاناة مستمرة يعيشها النازحون في غزة
شتاء الخيام
معاناة مستمرة يعيشها النازحون في غزة
شتاء الخيام
معاناة مستمرة يعيشها النازحون في غزة
شتاء الخيام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى