
بخيام الألم والحسرة تقرير خاص إعداد: آمنة غنام
رمضان آخر يُقبل على قطاع غزة، تغيب فيه الفرحة من الوجوه والدفء من الجمعات، بعد أن كان موسمًا للسعادة، فلم يبقَ أمام الغزيين سوى أداء الشعائر الدينية وسط حسرة الفقد وألم الموت ومشاهد الدمار التي تمتد على طول قطاع غزة.
في هذه الأيام كانت غزة تكتسي بالأنوار والفوانيس وأجواء الفرحة، وبسطات الباعة وألعاب الأطفال والحلوى ،وملابس العيد التي كانت تشغل بال الصغار منذ الأيام الأولى للشهر الكريم، والآن باتت هذه اللوحة الملونة رمادية اللون متشحة بالخيام والنزوح..
ركام البيوت
محمد البياري، نازح من مدينة غزة، كان قد غادرها بعد أن سُمح للنازحين بالعودة إلى شمال القطاع، لكنه اضطر للعودة مجددًا إلى مواصي خان يونس بعد أن وجد منزله قد دُمّر بالكامل و سويَّ بالأرض، ومع صعوبة توفير الاحتياجات الأساسية في المنطقة التي يقطن فيها، عاد إلى خيمته مرة أخرى.
ويقول: “للعام الثاني على التوالي سأقضي رمضان بعيدًا عن عائلتي ومدينتي، لأنني لا أملك حيلة، الحياة في منطقتي أصبحت شبه مستحيلة، حيث تم تدمير كل المنازل في حيّنا، حتى إذا فكرت في نصب خيمة فوق ركام منزلنا، سيكون الوضع صعبًا للغاية على أطفالي وزوجتي ووالدتي المسنّة”.
أما أبو رمزي موسى من حي تل السلطان في رفح عاد إلى ما بقي من منزله على الرغم من قربه من محور صلاح الدين _فلادلفيا_ ولكن مع قدوم شهر رمضان يرى أنه من الصعب جدا البقاء في خيام النزوح ، قائلًا: “نعم منزلي مفرغ ، ولا تمديدات صرف صحي أو مياه سليمة في منزلي ولكن يبقى ذلك أفضل من البقاء في الخيمة”.
وتابع: “الشعب الفلسطيني محب للحياة ولكن فرحته دائمًا تكون ناقصة، على الرغم من أن المتجول في الأسواق والطرقات قد يرى تجهيزات الناس لاستقبال شهر رمضان، ولكن لكل منا أشخاص فقدناهم خلال هذه الحرب والذكرى تؤلمنا حينما نفتقدهم ، فقدت شقيقتي وأطفالها منذ عام ومازلت أبكيهم إلى اليوم ، فكيف حال من بقيَّ وحيدًا دون عائلة؟”
بينما يفتقد المواطن سائد النملة عائلته وذويه الذين فرقهم النزوح ما بين خانيونس ودير البلح والنصيرات، بعد أن كان رمضان يجمعهم حول مائدة الإفطار والجمعات العائلية، يقول مبديًا حزنه وأسفه: “عائلتي تشتت فبعد أن كنت أقضي مع أهلي وأصدقائي صلاة التروايح والسمر قبيل السحور وقيام الليل بت وحيدًا فالحرب وحياة النزوح جعلتنا كلٌ في مداره يدور بعيدين عن بعضنا، ناهيك عن بيوتنا التي تدمرت وأحبائنا الذين فقدناهم .. إن رمضان مليء بالحسرة التي تأكل قلوبنا”.
بخيام الألم والحسرة… فرحة مكسورة
وفي مشهد يذكرنا بحكايات النكبة التي عاشها أجدادنا، حيث كانوا يصنعون من “تنكة” الحديد فوانيس يضيئونها بشمعة في طفولتهم، لكن هذا المشهد تكرر بطريقة حديثة في قطاع غزة، حيث جمع الأطفال مجموعة من المعلبات الفارغة، قاموا بثقبها ووضعوا داخلها هاتف جوال يبث أنغامًا لأناشيد رمضان، نظرًا لارتفاع أسعار الفوانيس وعدم قدرة ذويهم على شرائها.
أم رائد سمور تسكن في المنطقة الشرقية من مدينة خانيونس، وتخشى العودة لمنطقة سكناها لقربها من المناطق الحدودية، بخيام الألم والحسرة علقت على خيمتها حبل زينة صغير، لتُسعد أطفالها بقدوم رمضان على الرغم من الحزن والألم اللذان يعتصران فؤادها بفقدانها والداها ووالدتها وأشقائها في قصف استهدف منزل عائلتها وسط القطاع.
تقول أم رائد: “على الرغم من قلة الإمكانيات والألم الكبير الذي أشعر به، إلا أن الأطفال لا ذنب لهم، في مثل هذه الأيام من كل عام، كنت أزين مدخل بيتي بفانوس كبير وحبال من الأضواء الملونة، كي أبعث الفرح لنا ولجيراننا، لكن الآن لم يعد هناك جيران أو بيت أو من يزورني في هذه الأيام من الأهل لم يتبقَ لي سوى أطفالي، وأحاول جاهدًة أن أدخل الفرح إلى قلوبهم بما أستطيع”.
“رمضان الماضي أفطرنا فوق ركام منزلنا وهذا العام سنعيد الكرة، ولو أصبح كومة ردم فهو مكاننا” بهذه الكلمات علق المواطن حسين دبابش من مدينة غزة، حيث تم تدمير بيته في شهر نوفمبر 2023 ، وقضى رمضان الماضي هو وعائلته يتناولون فطورهم فوق ركام منزلهم ، و يستعد هذا العام لإعادة الكرة مرة أخرى، مشددًا أن هذه رسالة لترامب أن حتى المنزل المدمر لم يتركه أهله فما باله بقطاع غزة وخطة تهجير سكانه ؟!.
عبادة وصمود
من جهته اعتبر الداعية يحيى صبح أن رمضان في غزة هذا العام ليس كأي رمضان مرّ على أهلها، فهو شهر يجمع بين الصيام والصبر، وبين العبادة والصمود أمام الدمار، مشيرًا إلى أنه في ظل الظروف الحالية، تحول الصيام إلى تحدٍّ يومي بسبب نقص الغذاء والمياه والطاقة، لكن الغزيين يتمسكون بقوة بإيمانهم وتقاليدهم، حيث يعوض التكافل الاجتماعي والمساعدات الإنسانية جزءًا من المعاناة.
وأضاف: “على الرغم من قسوة النزوح والتشريد، يحاول الأهالي إحياء الأجواء الرمضانية ولو بوسائل بسيطة. الأطفال يصنعون فوانيسهم بأيديهم، والعائلات تتجمع في أماكن الإيواء لتناول الإفطار الجماعي، والمساجد التي لم تُهدم أو المصليات المؤقتة تظل عامرة بالصلاة والدعاء، وان رمضان في غزة هذا العام هو درس في الصبر والقوة والتكاتف.”
وفي السياق ذاته أوضح تقرير لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، أن الاحتلال الإسرائيلي استهدف أكثر من 1109 مساجد، منها 834 دُمرت بالكامل، ما يعادل 89% من مساجد القطاع، فيما عملت الوزارة على إنشاء 400 مصلى مؤقت في جميع أنحاء القطاع، خاصة في مخيمات النزوح، لتمكين السكان من أداء الصلوات والشعائر الدينية خلال الشهر الكريم.
على الرغم من سريان اتفاق وقف إطلاق النار، لا تزال التحديات كبيرة أمام سكان غزة، الذين يسعون جاهدين للتكيف مع الأوضاع الراهنة واستقبال شهر رمضان بروح من الصمود والأمل في انتظار أيام أفضل تعيد لرمضان فرحته الحقيقية..