مقالات الخامسة

جامعة بيرزيت تغرق في صراعات دون نهاية

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

كتب: عقل أبو قرع: 

عملت في جامعة بيرزيت أكثر من 12 عاما، وفي فترات مختلفة خلال العقود السابقة، وقبل ذلك كنت طالبا في جامعة بيرزيت، وفي تلك الفترات كانت الجامعة تنعم بالاستقرار والهدوء والنمو والتطور والتركيز على النوعية والجودة، وفي نفس الوقت، تتوجه نحو الريادة على الصعيد الأكاديمي والوطني والمجتمعي، وعلى صعيد العلاقات والتعاون داخليا وخارجيا، وكان من الواضح وكما تثبته الأحداث الحالية، أن التوازن الذي حافظت عليه جامعة بيرزيت من خلال كل مكوناتها، والتعاون والتشاور والاحترام للشرائح المختلفة التي تنضوي تحت مظلة الجامعة، والتشارك من خلال الرؤى والرسالة لهذه المكونات كان أهم الأسباب لتقدمها وللحفاظ عليها في الطليعة، وهذه المكونات هي مجلس إدارة الجامعة ومعها مجلس الأمناء، ومجلس نقابة العاملين في الجامعة من أساتذة وموظفين وعمال، ومجلس طلبة الجامعة الذي يحوي كافة شرائح المجتمع الفلسطيني.
وكما هو واضح، الآن، فإن أي إخلال بالتوازن بين مكونات الجامعة، من خلال التقليل من أهمية أحد المكونات أو الاستهتار بمطالب أو مصالح أحد الأطراف، كان ويكون كفيلا بإحداث الخلل وبالتالي لجوء هذا الطرف أو ذاك إلى إجراءات من أجل تحقيق مطالب قد تكون عادلة أو مستحقة أو منطقية، وبأساليب مختلفة، ومن أقسى هذه الإجراءات اللجوء إلى الإضرابات وإغلاق الجامعة، كما يتمثل حاليا من خلال الإضراب وبالتالي تعطيل عمل الجامعة خلال الأسابيع الماضية، من خلال نقابة العاملين، أو كما حدث قبل حوالي عام من خلال إغلاق الجامعة من قبل مجلس الطلبة.
وبصرف النظر عن المطالب أو الأهداف من الإجراءات الحالية أو السابقة، وبصرف النظر عن التبريرات التي يتم عرضها من هذه الجهة أو تلك لاستمرار الأوضاع الحالية، إلا أن من يدفع ثمن هذه الأوضاع هو جامعة بيرزيت بكل مكوناتها، سواء من خلال السمعة الأكاديمية المتمثلة بالجودة والنوعية والعلاقات الدولية، أو من خلال مساهمتها الوطنية والمجتمعية، أو من خلال الثقة والعمل بروح الفريق، والتي من الواضح أنها تعرضت لأضرار نتيجة الأحداث المتلاحقة من إضرابات وإغلاقات وبيانات وتصرفات من هذا الطرف أو ذاك، أو من صراعات لأهداف أخرى.
وبعد مرور أسابيع على الإضراب أو على الإغلاق أو الأزمة الحالية، وبصرف النظر عن المسميات، ما زالت الجامعة تعاني من الشلل التام، ولم يعد الآلاف من الطلبة ومن الموظفين والعاملين والأساتذة يتوجهون إلى الجامعة أو يمارسون نشاطاتهم الاعتيادية، وبصرف النظر عن نوعية الاتفاق الذي سوف يتم يوما ما بين نقابة العاملين والإدارة، والذي سوف ينهى الأزمة، وبصرف النظر عن الآلية التي سوف يتم التوصل من خلالها إلى الاتفاق، وبصرف النظر عمن سوف يكون الرابح أو الخاسر، أو بالأدق نسبة الربح أو الخسارة لهذا الطرف أو ذاك، إلا أن هناك دروسا من الممكن استنتاجها أو استنباطها من هذه الأزمة، على أمل أخذها بعين الاعتبار في الأزمات القادمة، والتي وان لم تتم معالجة هذه الأزمة جذريا، سوف تكون الأزمات القادمة أكثر خطوره وفتكا.
ومن الدروس التي من الممكن أن تفرزها الأزمة الحالية في جامعة بيرزيت، مثلما أفرزتها الأزمات السابقة، انه لا يمكن التفرد بالقرار في هذه الجامعة، التي اعتادت على العمل بشراكة أو بالتشاور وأخذ الرأي، بين الأطراف الثلاثة، أي بين الإدارة ومعها مجلس الأمناء ونقابة العاملين والطلبة، ولم تكن ومن الممكن ألا تكون هذه الأزمة هي الأخيرة، وذلك بسبب إهمال الجانب التشاركي أو الحوار أو التواصل الفعال بين الأطراف الثلاثة قبل اتخاذ قرارات منفردة ومن أي طرف، وهناك إضرابات أو احتجاجات خاضها أحد مكونات الجامعة، بسبب التفرد في القرارات أو محاولة إهمال أو تجاهل احد الأطراف، وبالتالي وفي ظل المصلحة العامة للجامعة وبما أنها جامعة «عامة»، فمن المفترض التشاور أو أخذ الآراء في قرارات مستقبلية من قبل احد الأطراف يمكن أن تؤثر على الأطراف الأخرى.
الدرس الآخر هو رد الفعل العكسي والنفسي الذي يمكن أن تؤدي إليه قرارات متسرعة،  ومن المعروف أن تاريخ الإضرابات والاحتجاجات وبأنواعها طويل ومتشعب في الجامعة، سواء من قبل الطلبة أو من قبل العاملين، أو كليهما، وبالتالي فإن اتخاذ قرار متسرع كرد فعل على احتجاج أو مظهر من مظاهر الاحتجاج مهما كان نوعه، لم ولن يعطي النتيجة المطلوبة، بل على العكس أدى إلى ردات فعل نفسية قوية، والى مزيد من تضافر المكون المستهدف والى توجيه الاتهامات وبأنواعها لإدارة الجامعة وامتداداتها، وهذا ما يحدث بالضبط خلال الأزمة الحالية وكما حدث خلال الأزمات السابقة.
ومن الدروس أو العبر الأخرى، هو أهمية الحوار بين الأطراف في الجامعة، ليس فقط قبل حدوث الأزمة، بل بعد حدوثها وبشكل فعال، أي دون انقطاع وتدخل أطراف أخرى إذا امكن، واعتقد أن هذه الأزمة لم تكن لتطول إلى الآن من الإغلاق مع كل الخسائر، لو كان هناك حوار متواصل وبحسن نية، وبمرونة وبأخذ مصلحة الجامعة، كجامعة تضم الأطراف الثلاثة بعين الاعتبار.
وكان واضحا من هذه الأزمة أن محاولة التهميش أو التعامل الفوقي، أو تجاهل مطالب معيشية حياتية، لم تنجح بل بالعكس قد تسببت بتفاقم الأزمة، والاهم أنها اضعفت الثقة بين الأطراف، واعتقد أنها من الأسباب التي أطالت الأزمة وعقدتها وما زالت، ولو أن التعامل كان بروح العمل الجماعي للتوصل إلى حل وسط، لما دامت الأزمة أياما، والجميع تقريبا يعرف ما هو الحل الذي سوف تنتجه أزمة الإغلاق هذه، وان الحلول الوسط في النهاية هي التي سوف تسود.
وبالطبع فإن توفير حلول جذرية لازمات جامعة بيرزيت والجامعات الأخرى، وبالإضافة إلى العمل التشاركي بين الأطراف الداخلية، يتطلب بناء التواصل الفعال مع المجتمع، كما كان قبل سنوات عديدة، وأظهرت أزمة جامعة بيرزيت الحالية، تقريبا عدم اللامبالاة من قبل المجتمع وبأطيافه، سواء أكان القطاع العام أو الأهلي أو القطاع الخاص، إلا لما له مصلحة مباشرة مع تداعيات هذه الأزمة. ولبناء تواصل فعال مع المجتمع يتطلب العمل بروح المصلحة المشتركة، وليس فقط بأن يكون المجتمع هو المتبرع والجامعة تتلقى كما كان، ولكن بأن يتم إرساء ثقافة عمل الفائدة المشتركة، بحيث يستفيد القطاع العام أي الحكومة والقطاع الخاص والمدني من الجامعة وفي مجالات عدة، أسوة بالجامعات الأخرى في المجتمعات المتقدمة.
ومن العبر أو الدروس التي تم استخلاصها من أزمة الإضراب الحالية، أنه وفي ظل دوامة تكرار الإضرابات وشل الجامعة، من المفترض أن يعمل مجلس أمناء الجامعة وإداراتها بالتخطيط بعيد المدى الهادف لإيجاد حلول مستدامة لقضايا مكررة وتعود كل عام وبشكل مضجر، بعيدا عن قرارات أو إجراءات لا تتعامل مع قضايا ومطالب تؤثر على حياة العاملين اليومية، وأن تضع خططا استراتيجية للاستثمار ومن أجل إنشاء صناديق استثمارية خاصة بها تحقق عائدا ماليا يساهم في سد عجزها المالي وبشكل مستدام.
وفي ظل تواصل أزمة جامعة بيرزيت الحالية وغرق الجامعة بكافة مكوناتها في صراعات بدون نهاية، من المفترض على مكونات الجامعة، أي الإدارة والنقابة والطلبة، التعامل بحذر مع تداعيات أو آثار هذه الأزمة، والنظر إلى الأمور بشكل أوسع من عناد شخصي أو من تشبث بمواقف لا تفيد أحدا، وفي نفس الوقت أن تبدأ وبشكل متواز بحوار لإيجاد حلول مستدامة لازمات تتكرر كل عام، من قبل هذا الطرف أو ذاك وبأن يتم هذا الحوار في إطار روح عدم وجود رابح أو خاسر، ولكن في المحصلة التوصل إلى حلول وسط تحقق الحد الأدنى من مصالح الأطراف الثلاثة داخل الجامعة، والتي هي بشكل أو بآخر مصالح متداخلة ومتشابكة، وشكلت وسوف تشكل الدعامة لاستمرارها وتقدمها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى