الرئيسيةحكايا في زمن الحرب

حكايا في زمن الحرب.. رباب حَلَاوين.. ملاك رحمة بيوصلك لخيمتك!

"في زمن الحرب، يكون بعض الناس شموعاً تحترق لتضيء درب الآخرين، يمنحون الحياة لمن حولهم حتى ولو كان الثمن حياتهم."

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

إعداد: شيماء مقداد

من أعماق الأحياء المنكوبة من غزة، حيث الموت يقتنص الأرواح بلا تمييز، ظهرت “رباب حلاوين” كواحدة من أولئك الأبطال الصامتين الذين لا يعرفون الراحة، كانت حكيمة إسعاف وطوارئ، ونساء وتوليد، تعمل بلا كلل لإنقاذ الأرواح وإسعاف الجرحى.

كان دافع رباب الوحيد للعمل هو إنسانيتها المتأصلة التي لا تقبل الانكسار، في يوم السابع من أكتوبر 2023، عندما بدأت الحرب، قررت أن تتخذ موقفًا يتجاوز حدود واجبها المهني؛ قررت أن تقدم الرعاية الطبية مجانًا لكل من يحتاجها.

انطلقت رباب منذ بداية الحرب في مبادرة أطلقت عليها اسم “بوصلك لبيتك”، لم تكن مجرد خدمة طبية؛ بل رد فعل إنساني على حالة الطوارئ المستمرة في شمال قطاع غزة، وسط ضغوط الحرب والقصف المتواصل، وجدت رباب أن العبء على المستشفيات والمسعفين أصبح أكبر من أن يتحمله أي نظام صحي، فبدأت بتقديم خدماتها في المنازل، متنقلة من بيت إلى بيت، تسعف المصابين وتعالج المرضى.

“الأبطال ليسوا من يحملون السلاح فقط، بل هم أولئك الذين يحملون حياة الناس بين أيديهم، وينقذون الأرواح تحت وابل النيران.”

أصبحت رباب رمزًا للصلابة والتفاني، تعرضت للإصابة ثلاث مرات، كانت أصعبها عندما قصفت طائرة حربية إسرائيلية منزلًا مجاورًا أثناء توجهها لمساعدة أحد المصابين، أصيبت في كتفها، ولم تستطع أن ترفع ذراعها لأسابيع، لكن ذلك لم يمنعها من الاستمرار، كانت تعلم أن كل دقيقة تمر دون تدخلها قد تكلف حياة إنسان، ولهذا لم يكن هناك مكان للراحة في حياتها.

خلال خمسة أيام متواصلة من العمل، كانت رباب تقدم الرعاية الطبية دون توقف، وفي اليوم السادس، عندما عادت إلى منزلها لترتاح قليلاً، قُصف منزل مجاور آخر، وأصيبت مرة أخرى. هذه المرة، كانت الإصابة في رأسها، ومع ذلك لم تستسلم.

بعد مرور خمسين يومًا من العمل تحت القصف، ومع تفاقم الوضع، اضطرت رباب للنزوح من بيتها في شمال غزة إلى جنوبها سيرًا على الأقدام، في رحلة مليئة بالمخاطر، حملت معها حقيبة الإسعافات الأولية، تاركة خلفها كل متعلقاتها الشخصية. على حاجز نتساريم، كان عليها أن تختار بين حقيبة الإسعافات وحقائبها الشخصية. دون تردد، اختارت الحقيبة التي تحتوي على أدوات تمكنها من إنقاذ الأرواح.

“نحن نعيش لنعطي، وفي زمن الحرب، نعطي ما تبقى من أرواحنا، نبقى على قيد الحياة لنكون قلوبًا تنبض بالأمل في عالم مليء بالموت.”

عندما وصلت رباب إلى مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، رأت الخيام في كل مكان، أدركت أن المبادرة التي بدأت باسم “بوصلك لبيتك” تحتاج إلى تعديل لتواكب الظروف الجديدة. فأطلقت عليها اسم “بوصلك لخيمتك”، وبدأت من جديد تقدم خدماتها للنازحين.
لم يكن لديها سوى حقيبة الإسعافات وبعض الأدوية التي قدمها أحد المتبرعين، لكن ذلك لم يكن كافيًا لإيقافها. استمرت رباب في العمل من خيمتها، كـ” ملاك رحمة” تستقبل المرضى وتقدم الإسعافات وسط أجواء الحرب والموت.

رغم كل الصعوبات، لم تتوقف رباب عن العمل. تولت توليد أربع نساء في ظروف غير ملائمة، حيث كانت الولادات صعبة بسبب نقص المعدات الطبية. وفي إحدى المرات، قُصفت سيارة بالقرب من مكان نزوحها، فركضت رباب للمساعدة، لكنها وجدت الجثث عبارة عن أشلاء، فأخذت تلملم قطع اللحم في أكياس وسلّمتها للمستشفى.

رباب حلاوين لم تكن مجرد حكيمة؛ كانت رمزًا لإنسانية لا تعرف الحدود، وقلبًا ينبض بالأمل في زمن الحرب، فقدت العديد من أقاربها وزملاءها وأصدقاءها، خسرت كل شيء، منزلاً وعملًا وحياة كاملة، اختارت أن تكون شعلة تضيء ظلام الحرب، وتواصل رسالتها رغم كل الآلام.

تحلم رباب بأن تعود إلى غزة، إلى بيتها، وتواصل تقديم خدماتها داخل المستشفى، حيث تأمل أن تساهم في بناء مستقبل أفضل لشعبها الجريح، وتستكمل دراستها وتفتح عيادة بسيطة لمساعدة الفقراء والمحتاجين.

حكايا في زمن الحرب
رباب حلاوين
حكايا في زمن الحرب
رباب حلاوين
حكايا في زمن الحرب
رباب حلاوين
حكايا في زمن الحرب
رباب حلاوين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى