الرئيسيةحكايا في زمن الحرب

حكايا في زمن الحرب: مجدية وهديل مدوخ.. رياديات رغم الحرب

"ليس الاستسلام خيارًا لمن يمتلك الإرادة، حينما تشتد الأزمات، يكمن الحل في تحويل الألم إلى قوة تصنع المستحيل."

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

إعداد: شيماء مقداد

من قلب مدينة غزة، حيث تعصف الحرب بكل منازل منطقة “حي الدرج”، وقفت الأختان مجدية وهديل مدوخ، متحديتين ظروفًا لم تخترهما، وأبتا الاستسلام لها. مجدية (27 عامًا)، خريجة التكنولوجيا الحيوية، وهديل (23 عامًا) المتخصصة في الإذاعة والمونتاج التلفزيوني، قررتا أن تواجه الحرب بما تبقى لديهما من روح المبادرة والأمل.

كان لدى الأختين محل صغير يحمل اسم “الفؤاد”، المتخصص ببيع مستحضرات التجميل وhgاكسسوارات قبل الحرب، ومع اشتداد العدوان وضعف إقبال الناس على مثل هذه المنتجات، تحول المحل إلى بارقة أمل للعديد من الفتيات والسيدات.

“في عيد الفطر قررنا فتح المحل من جديد، ولكن بدلًا من بيع الكوزماتكس (أدوات التجميل)، بعنا المواد الغذائية لتأمين القليل من المال”، تقول هديل، وهي تستذكر تلك الأيام القاسية التي جعلت التفكير خارج الصندوق ضرورة ملحة، وليس رفاهية.

قناة واتس اب الخامسة للأنباء

الظروف القاسية دفعت الأخوات إلى محاولة إيجاد حلول مبتكرة، الحرب جعلت من كل شيء نادرًا، بما في ذلك النقود، فقررت الفتاتان إعادة فتح المحل في عيد الأضحى بعد شهرين، ولكن هذه المرة بتركيزه الأصلي على مستحضرات التجميل واكسسوارت النساء، ولكن بأسعار أقل من السوق لجذب الزبائن.

 

“كل يوم كان رحلة للبقاء، الصمود كان الخيار الوحيد، فالذهاب جنوبًا لم يكن خيارًا، بل مغامرة غير معروفة العواقب.”

كانت الأيام قاسية على الجميع، وكانت الأختان تعيشان كل يوم مرارة نزوح جديد، وفي أحد الأيام أجبرت العائلة على إخلاء المنزل والمحل لعشرة أيام، بعد أن تعرضت كل المنطقة للتهديد، وصنفها الاحتلال الإسرائيلي ضمن المناطق “الحمراء” التي يجب على السكان اخلائها، وعندما عادوا، وجدوا أن كل البضائع قد سُرقت، وحين بدأ كل شيء ينهار من حولهن، جاءت الفكرة التي ستغير كل شيء، الحرب كانت في شهرها الثامن، ومعظم المشاريع حولهن توقفت تمامًا.

لم تكن فكرة المعرض وليدة رفاهية أو تفكير مسبق، بل كانت نتيجة لظروف قاسية، كان شمال غزة يعيش حالة مجاعة حقيقية، وكان البقاء فيه قراراً غير قابلاً للنقاش، تقول مجدية، “كنا نقسم رغيف الخبز على عشرة أفراد من العائلة، وكان أصعب شيء هو فقدان الخبز والطعام”.

ولدت فكرة “بازار رياديات رغم الحرب”، حين فكرت الأختان في استضافة نساء أخريات بشكل مجاني داخل المحل، بهدف توفير منصة للنساء اللواتي توقفت مشاريعهن لتقديم منتوجاتهن والحصول على مصدر دخل بسيط. هذا البازار، الأول من نوعه في شمال غزة خلال الحرب، جمع نساء من مختلف الخلفيات، وجعل من محل الفؤاد مكانًا يتنفس فيه الأمل رغم الحصار والجوع.

 

“اليد التي تساعد الآخرين هي التي تصنع الفرق، النجاح ليس في البقاء على قيد الحياة فقط، بل في جعل من حولك يعيشون بأمل وقوة.”

بمرور الوقت، نمت الفكرة وتحولت إلى حقيقة ناجحة، النساء اللواتي فقدن الأمل في الحصول على دخل، وجدن في بازار “رياديات رغم الحرب” فرصة لإعادة بناء مشاريعهن. “قدمنا الأرضيات مجانًا للنساء اللواتي لم يكن لديهن مكان لعرض منتجاتهن”، تضيف مجدية: “النساء اللاتي شاركن في البازار بدأن بتحقيق دخل يومي بدأ بـ10 شواكل، وسرعان ما ارتفع مع تزايد الإقبال.”

معرض “رياديات رغم الحرب” أصبح أكثر من مجرد مبادرة، بل تحول إلى نقطة تجمع للأمل والتضامن بين النساء، بدأ بإعلانات شفوية بسبب انقطاع الكهرباء أو الإنترنت، لكن نجاحه تجاوز التوقعات، إلى درجة أن الزبائن طالبوا بتمديد المعرض من يوم واحد إلى ثلاثة أيام.

في كل يوم من أيام المعرض، كانت الفتيات يشهدن مشاهدًا تعيد لهن الأمل، مشاهدٌ تدفعهن للاستمرار وتكرار المعرض، في إحدى المرات كانت هناك سيدة فقدت زوجها في الحرب، وهي أم لثلاث بنات، قررت أن تعتكف المنزل ولا تخرج من منزلها عي وبناتها لمدة تسعة أشهر، تقول مجدية بحزن، ” أول مكان زارته كان المعرض، وكانت هي وبناتها سعداء جدًا”.

تغطية مستمرة.. تابعونا على قناة شبكة الخامسة للأنباء في تيلجرام

تشعر مجدية وهديل الآن بفخر كبير لإشرافهن على البازار، الذي بدأ كمبادرة صغيرة لمساعدة النساء، وتحول إلى حدث رئيسي في شمال غزة، حيث تم دعم الزوايا مجانًا، وتم البيع بأسعار أقل من السوق لتشجيع الناس على الشراء.

بالرغم من المخاطر التي كانت تحدق بالجميع، فقد نجح البازار في خلق بيئة آمنة نسبيًا للتجار والزبائن على حد سواء، وأصبح هذا المعرض بمثابة منصة للنساء للتعبير عن قوتهن ومرونتهن، ولإثبات أن الحرب، رغم كل ما تسلبه، لا تستطيع أن تسرق الأمل.

لم يكن النجاح في البيع فقط، بل كان في الدعم النفسي والمعنوي الذي وفره البازار للنساء. “أكثر ما يثلج صدورنا هو أننا قدمنا مساحة للنساء اللواتي فقدن كل شيء، ومنحناهن فرصة للنهوض من جديد” ، تقول هديل.

أثبت بازار “رياديات رغم الحرب” أن القوة تكمن في التضامن والإرادة، لقد كانت الأختان مجدية وهديل رمزًا للصمود والمثابرة، وجعلتا من محل “الفؤاد” مكانًا يضيء في ظلام الحرب، ويمنح الأمل للعديد من النساء.

مجدية وهديل مدوخ.. رياديات رغم الحرب مجدية وهديل مدوخ.. رياديات رغم الحرب مجدية وهديل مدوخ.. رياديات رغم الحرب مجدية وهديل مدوخ.. رياديات رغم الحرب مجدية وهديل مدوخ.. رياديات رغم الحرب مجدية وهديل مدوخ.. رياديات رغم الحرب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى