
تقرير: إيمان نشبت
يحلّ شهر رمضان هذا العام على أهالي قطاع غزة وسط مشاهد من الدمار والمعاناة التي خلفتها الحرب الأخيرة، بينما يستعد المسلمون في مختلف أنحاء العالم لاستقبال هذا الشهر الفضيل بفرح وسرور، يجد الغزيون أنفسهم في مواجهة تحديات يومية صعبة، حيث يسعون لتوفير لقمة العيش وإحياء العادات الرمضانية في ظل ظروف قاسية.
رمضان بين الأنقاض: فرحة مفقودة وزينة على أطلال المنازل
لم يكن رمضان هذا العام في غزة ككل الأعوام السابقة، فقد اختفت تلك الفرحة المعتادة التي كانت تملأ الشوارع والمنازل، ليحلّ مكانها مشاهد الركام والخيام المؤقتة التي أصبحت مأوى للكثير من العائلات. ورغم هذه الظروف الصعبة، لا يزال الغزيون يحاولون مقاومة الألم والحرمان، مُظهرين بعض مظاهر الزينة الرمضانية البسيطة، حيث تزين الفوانيس الصغيرة المساجد والشوارع، وكأنها رسالة صمود وتحدي من شعب يرفض الاستسلام.
يقول إبراهيم بدوان، أحد المواطنين المتضررين من الحرب في غزة: “في كل عام، كنت أستعد لاستقبال رمضان بشوق وحماس، حيث كنت أشتري الزينة وأعلقها مع أطفالي، وكان بيتنا يعج بالفرحة والبهجة في هذه الأيام المباركة، لكن اليوم الواقع مختلف تمامًا حيث أقضي رمضان تحت خيمة متهالكة لا تقي البرد ولا الحر، وأطفالي يعانون من الجوع والحرمان في الوقت الذي كنت فيه أشاركهم فرحة الشهر الكريم، أصبحنا اليوم نبحث عن لقمة العيش وسط الأنقاض”.
وأضاف بدوان: “أن الحياة في ظل هذه الظروف القاسية أصبحت تحديًا كبيرًا، في ظل الأوضاع الاقتصادية التي خلفتها الحرب تجعل توفير الاحتياجات الأساسية أمرًا بالغ الصعوبة، كلما حاولنا التكيف مع الوضع، نجد أن الوضع يزداد صعوبة، وأن رمضان الذي كان يجلب لنا الأمل في الماضي، أصبح اليوم علامة فارقة في حياتنا، يحمل آلامًا وأحزانًا لا نهاية لها”.
وبالرغم من ذلك، يحرص إبراهيم وأسرته على إحياء بعض الطقوس الرمضانية البسيطة قدر المستطاع، مثل قراءة القرآن وصلاة التراويح في الخيمة، مُؤكدًا أن رمضان لا يزال يحمل معاني الأمل والصمود في قلوب الفلسطينيين.
معاناة النساء في رمضان: تحديات يومية لتأمين وجبة الإفطار في غزة
مع بداية شهر رمضان هذا العام، تواجه الأمهات في قطاع غزة تحديات كبيرة في تأمين وجبات الإفطار والسحور لعائلاتهن بسبب ارتفاع الأسعار ونقص المواد الغذائية، تزداد الصعوبات في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، حيث تشهد العديد من الأسر في غزة صراعًا يوميًا لتوفير الطعام لعائلاتهم في هذا الشهر الكريم.
تحدثت “شبكة الخامسة” مع السيدة أم أحمد (40 عامًا)، أم لخمسة أطفال، نزحت مع عائلتها بعد تدمير منزلها في الحرب الأخيرة، لتروي لنا معاناتها في تحضير الوجبات خلال شهر رمضان.
وقالت أم أحمد: “الوضع صعب جدًا، قبل الحرب كنت أستعد لرمضان بتخزين بعض المواد الغذائية مثل الطحين والأرز والزيت، لكن اليوم بالكاد أستطيع تأمين طعام بسيط لأطفالي، الأسعار ارتفعت بشكل غير معقول، والمواد الأساسية أصبحت نادرة أو باهظة الثمن، ما يجعل تأمينها أمرًا شبه مستحيل”.
وأضافت: “أن الوضع يزداد سوءًا في وقت السحور، حيث لا تستطيع توفير سوى الخبز والماء لأطفالها أحيانًا لا أتمكن من إعداد سحور كالمعتاد، ونكتفي بالماء والخبز الجاف، بالنسبة للإفطار نحاول الاعتماد على المساعدات، لكن للأسف لا تكفي لتلبية احتياجاتنا اليومية، وأطفالي يسألونني عن الطعام الذي اعتادوا عليه في رمضان، لكنني لا أملك سوى الصبر والدعاء”.
وتشعر أم أحمد بحزن عميق على غياب التجمعات العائلية التي كانت سمة من سمات رمضان في السابق، حيث تقول: “رمضان كان يعني الاجتماع مع العائلة على مائدة الإفطار، لكن اليوم فقدت بعض أفراد عائلتي في الحرب، والبقية مشرّدون مثلي، حتى أبسط العادات مثل تجهيز التمور والمشروبات الرمضانية أصبحت رفاهية لا نقدر عليها، وكل ما نملك هو الإيمان بالله والرجاء بأن يتحسن الحال”.
وتابعت أم أحمد حدديثها: “أطفالي يشعرون بالحزن عندما يرون الأطفال الآخرين يحصلون على طعام أفضل أو يستمتعون بزينة رمضان. أحاول أن أطمئنهم وأقول لهم إن هذا اختبار من الله، وأن هناك دائمًا أمل في المستقبل. لكنهم في النهاية أطفال، ولا أستطيع أن أخفي عنهم الحقيقة التي نعيشها في ظل هذه الحرب.”
رمضان بلا عائلات: الحنين للأحباب والشهداء
كل عام كان شهر رمضان في غزة يعكس صورة من الحياة العائلية الممتلئة بالحب والتواصل، حيث تجتمع الأسر حول موائد الإفطار في أجواء من الألفة والمحبة، لكن الحرب الأخيرة غيرت هذا المشهد، فقد سرقت العديد من العائلات وأبكت قلوبًا فقدت الأحبة.
يروي خليل بدوان الذي فقد معظم أفراد عائلته قصته بحزن قائلاً: “كان رمضان يعني لي الجلسات العائلية حول مائدة الإفطار، ولكن اليوم وبعد فقدان إخوتي وأمي وأبي، أصبح الإفطار مجرد لحظات صمت وألم، لا أستطيع إلا أن أدعو الله أن يرحمهم جميعًا، وأن يعيد لنا الفرح الذي فقدناه”.
أما الاخصائي النفسي والاجتماعي إبراهيم مطر فيقول: “إن الحرب الأخيرة على قطاع غزة تركت أثرًا عميقًا على الحالة النفسية للأفراد والعائلات، فقد مر الناس بصدمة نفسية جراء الخسائر الكبيرة التي لحقت بهم، سواء على صعيد الأرواح أو الممتلكات ناهيك عن العديد من الأسر التي فقدت أحبائها، وفي العديد من الحالات لم تعد هناك مراكز آمنة أو منازل مأهولة، مما يزيد من التوتر والقلق”.
وأضاف: “بالنسبة لشهر رمضان، فإنه في العادة يمثل فترة تجمعات عائلية وفرحًا جماعيًا، ولكن هذا العام اختلف الوضع، كثير من العائلات تقضي رمضان في خيم أو في ظروف غير مستقرة، مما يعمق شعورهم بالعزلة والحرمان”.
التضامن المجتمعي: يدٌ واحدة في وجه المحنة
على الرغم من الصعوبات التي يعيشها أهل قطاع غزة، يظل التضامن والتعاون سمة أساسية بين العائلات والجيران في ظل الأوضاع الصعبة، يتشارك الناس الطعام، ويعطف بعضهم على بعض لتأمين احتياجاتهم اليومية، كما تبذل الجمعيات الخيرية جهودًا مضنية لتوزيع المساعدات الغذائية والإنسانية، رغم الحصار وصعوبة الوصول إلى المتضررين.
ورغم الألم والدمار، يبقى شهر رمضان في غزة مصدرًا للصمود والتحدي في قلب الركام، يعكف الغزيون على إظهار قوتهم وإيمانهم، ويصنعون الأمل من وسط المعاناة، يبقى الدعاء هو السلاح الأقوى: “اللهم فرج عن أهل غزة، وارحم شهداءهم، وكن عونًا لصغارهم وكبارهم في هذا الشهر الكريم”.