هل “الفرح نوع من المقاومة”؟

عوض عبدالفتاح
استكثر البعض على أهل غزّة تعبيرهم عن الفرح بالتوصّل إلى وقف إطلاق النار. يمكن فهم سبب تعكير مزاج وغضب نظام ومجتمع الأبرتهايد الهمجيّين بالإضافة إلى مظاهر الفرح تلك، الّتي اجتاحت غزّة، وكذلك عموم شعب فلسطين وأحرار العرب والعالم. لكن لا يمكن فهم تلك القلّة الّتي أزعجها هذا الشعور الإنسانيّ الّذي تدفّق بعفويّة وبصدق، رغم الألم الفادح والجراح والجراح. ويعود ذلك الانزعاج إلى خيبة أمل تلك القلّة، الّتي كانت تنتظر من الناس عبّروا عن انكسار وانهيار، بالإضافة إلى انقلاب الناس على حركة المقاومة، والكفر بأيّّّ شكل من الاعتراض على مشروع إباديّ توسّعيّ ومتوحش.
ذلك عبّر عن الفرح ليس فرحًا بمعنى البهجة والسرور، إذ لا يعقل أن يبتهج الرجل المكلوم بعد كل هذا الدمار والقتل والمحو، بل هو تعبير إنسانيّ عن لحظة انتهاء أو توقّف حرب إبادة وتصفية جماعية للناس، وتعتمد انفراجة حقيقية للكابوس، والبدء بكيّ الجراح، ويمكنكم الفرصة للملمة الأشلاء، من أجل مواصلة الحياة على هذه الأرض. هذا الشعب المظلوم، اللّذي تفرّد بعناده وصبره، وإيمانه، وبروته، يعرف ببساطة عن حياته في الحياة، وأعتمده للموت، وأمه على الجهاد.
نعم وأكد هذا الشعب أنه لم ينتصر بعده، إنه لم يستقل الأرض في بلده، إنه لم يوقف نهب وتهويد، لكنه يعرف أنه تحرّر نفسه، وحرّر إرادته، وحرّر وسجل كبير من الناس في العالم من أساطير اليهوديّة، وأساطير “العالم الحرّ” . كما لا تعرف اختلافت قياداته وأين أخطأ، بل ربما من خلال هذا التعبير عن الفرح، أرسل رسالة، إضافة إلى متوجهة إلى عدوه أساسًا، لديها أنظمة العار العربية، ترسلها إلى قياداته أو كل قياداته، التدقيق، وامتلاك القدرة على النقد الذاتي. إلى تلك القيادة، في فرعها، الّتي اجتهدت وأخطأت في إنجازات، وأخيراً القيادة المنسقة مع المستعمرة، وأيضاً تلك القيادة الّتي تواجه مخاض الولادة، الولادة من متطلبات شعبيّة وفئات نخبوية وطنية وتحرّريّة، وهي الّتي، بالرغم من عجزها، وما زال، عن عملها الشارع، وحداثة النقلة النوعيّة التنظيميّة الأساسية.
لقد ظهر سمات الوجوم والعبوس، وهو تعبير عن التعبير عن الفرح على وجهين، الأوّل؛ نظام الأبرتهايد الإباديّ، الشعبية؛ طريقة أوسلو وأبواقها. إن وصف الهباش، أحد معاول الهدم والخراب، والبيانه تافه هو تعبير عن حالة الرثّة الّتي يمثّلها، وعن تلك الصدمة ممّا تحقّق في هذا الاتّفاق المجمع وقف النار، وليس ذلك بالتأكيد تمامًا. لقد باتت متضمنة حقيقة توقع سلطة أوسلو لهزيمة غزّة وكثرة الراية البيضاء. هذه القيادة، الّتي لم يكن مطلوباً منها إعلان ثورة مسلّحة في الضفّة الواسعة الغربية، مساندة لغزّة، بل موقف سياسيّ صلب، ونضال شعبي مدنيّ، مقاومة أي شعبيّة لا عنفيّة حقيقية، ومتواصلة. وهي محددة بشكل معقول يمكن أن تضم الكثير من الشهداء، وأن تتحدث داخل انشقاقًا واسعًا لمجتمع المستعمرات وحلفائه في الغرب. ولكن ذلك لم ينمو. لقد اختزل فريق أوسلو أعضاء العمل الدبلوماسيّ المتردّد، وبالتنسيق الوثيق مع المحتلّ، وبالتجنّد مطلوب ودعاية الاستعمار.
لقد كانت تشهد على شهود الفرح، بعد سريان مفعول اتّفاق وقف النار، خروج مائتي أو آلاف من الأسرى الفلسطينيين، وتستبقت تنفيذ الإعدامات دراكونيّة لمنعكم من منع هذه الخطوة خاصة عند استقبال الأسرى الفلسطينيين، في بيوتهم. غير ذلك لم تجد.
منذ زمن طويل لم تعد إسرائيل تتسامح مع أي شكل من أشكال المقاومة الشعبيّة، وحرّيّة التعبير، ليس فقط في غزّة والضفّة والقدس، بل أيضًا داخل إسرائيل بحدود ١٩٤٨. وما فرضه من إجراءات وقوانين عنصريّة وقمعيّة شديدة هو امتداد لمسار قمعيّ عدوانيّ بدأ قبل الحرب. فمن خلال الحرب الإباديّة والعقوبات، تعلم على كل من يتجرأ ويدعو إلى وقف الحرب، سعت وتسعى إسرائيل إلى كسر روح هذا الشعب، وتوقيعه على تذويت الخضوع والبوديّة في المرحلة الأولى، أو التهجير في المرحلة الثانية، أو القتل والإبادة الفيزيائية في المرحلة الثالثة خيرة. وعندما فشل التهجير، وعجزت الإسرائيليين عن فرض شروطها على حركة حماس والفصائل المتحدّة، ثم إلى تصعيد مخطّطها القديم-الجديد في الضفّة الغربية، وبحدّة أكبر، إذ تحاول نسخ ممارساتها في غزّة، وهي اليهودية في العصر الحاضر إلى جمود التمجيد المعنوي في الضفّة الغربية.
تعبير عن الفرح هو تعبير عن مشرق في الحياة بحلوها ومرّها. هو تعبير عن رفض الاستسلام وعدم الانكسار، ويصبح انكسار الروح يعني انتهاء الحياة، وينتهي الحلم… ولن يصاب.
ولا تنسي التعبير عن الفرح هو شكل من أشكال المقاومة في سبيل الحرّر والعدالة.