الرئيسيةتقارير

هاجر أزواجهن.. فأصبحن بين كابوس انتظار المجهول وهاجس الفقر والانفصال

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

خاص الخامسة للأنباء – تقرير محمد الذهبي:

حصارٌ وفقرٌ وبطالة.. حروبٌ وضبابية في الماضي والحاضر والمستقبل، ستة عشر عاماً من انعدام فرص الحياة الكريمة في قطاع غزة، كانت كفيلة في حرف بوصلة عشرات آلاف الشباب الهجرة من غزة إلى أوروبا أملاً في الحصول على فرصةٍ ولو بالحد الأدنى للحياة الكريمة في دول أوروبا.

مقامرة بالأرواح

آلاف الغزيين، بينهم أطفال، ومسنون، ونسوة خاطرن بأرواحهن، ممتطين أمواج البحر، بحثا عن بداياتٍ جديدة قد تكون أجمل.

إن زيادة معدلات البطالة والفقر، وغياب الأمل لدى الشباب، والندرة الشديدة في الوظائف، وانهيار القطاع الخاص بفعل تدمير المنشآت الاقتصادية والشركات، فضلا عن القيود الإسرائيلية على حركة الواردات والصادرات، وعوامل أخرى كثيرة، شكلت أرضية خصبة لهروب شباب غزة، الذين يتوقون لحياة أفضل حتى لو كان ثمنها الموت.

قناة واتس اب الخامسة للأنباء

أزمات بلا حلول

وعلى هذا النحو، تحول قطاع غزة إلى مستنقع من المشاكل والأزمات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، ولعل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في صفوف خريجي الجامعات، والذي تجاوز بين صفوف الخريجين ما نسبته 74% وفقاً لآخر الإحصائيات، أفرز العديد من المشكلات الاجتماعية التي كان حلها الأمثل في نظر الشباب من خلال محاولة الخلاص من هذا الواقع المرير عبر الهجرة.

هجرة بلا مبالاة.. ولا عودة

فلم يعد يهتم الواحد منهم، إن كان سيترك خلفه بيت أو أسرة أو زوجة أو أماُ مكلومة، وكما يقول ع. م وهو أحد الشبان الذين يعيشون في إحدى الدول الأوروبية منذ سنتين “لقد هربت، ولم يكن بمقدوري سوى الهرب، الحياة في غزة أصبحت لا تُحتمَل، وأوشكت على الانتحار أكثر من مرة بسبب ظروفي ومسئولياتي التي جعلتني إنسان بلا قيمة أو كرامة في نظري ونظر من حولي”.

وأوضح ع. م لدى سؤاله عن حالته الاجتماعية، وهو مقيم في بريطانيا “أنا متزوج ولدي بنت، لا يمكنني أن أصحب أسرتي معي إلى هناك بسبب القوانين الجديدة”، مشيراً إلى أنه يكتفي بمشاهدة عائلته عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمرة أو مرتين أسبوعياً.

وحول رغبته في العودة إلى غزة بهدف الاستقرار مع أسرته والاهتمام بابنته قال لـ *الخامسة للأنباء* “لا أحد يهتم بذلك، ما قيمة أن تكون أب مفلس؟ أو أب بلا قيمة؟ هذا ما جعلتنا عليه حكوماتنا وهذا ما رفضته مثل آلاف المهاجرين، غزة لا حياة فيها وليس عندي استعداد لتكرير تجربة الموت أو امتهان الكرامة الإنسانية، فهنا لديّ عمل على الأقل يوفر لي مصروفي اليومي ومستلزماتي الشخصية”.

إحصائيات مرعبة

ووفقا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فقد بلغ التعداد السكاني بغزة العام الماضي، 2.17 مليون نسمة، 65% منهم يعانون انعدام الأمن الغذائي، و80% منهم يعيشون تحت خط الفقر.

وبلغ عدد العاطلين عن العمل نحو 372 ألف شخص في 2021، بواقع 230 ألف شخص في قطاع غزة، بينما بلغ إجمالي الاستخدام الناقص للعمالة 524 ألف شخص، حيث يتضمن هذا العدد 73 ألفا من الباحثين عن عمل المحبطين و26 ألفا في العمالة الناقصة المتصلة بالوقت.

خيارات قاسية

وكما هي الحرب، فلكل شيءٍ ويلات، فالشابة ف. ص (23 عاماً)، وهي أم لثلاثة أطفال، تقول “قبل سنتين تقريباً انهار عمل زوجي وتراكمت عليه الديون بسبب فقدانه مصدر رزقه، بعد ذلك أخبرني بأنه ذاهب في رحلة مع أصدقائه، مرت الليلة وتلتها أربعة ليالي أخرى دون أن أعرف عنه شيئاً أو يجيب على هاتفه، ليفاجئني باتصال من رقم دولي بعدها، أخبرني من خلاله بأنه غادر غزة، وخيرني بين الطلاق أو العيش مع أولادي بدونه”.

وحملت ف. ص مسئولية ما حدث لصناع القرار قائلة “ذنب أطفالي في رقبة من أوصلوا الناس إلى هذه الحالة من الكبت، وبالتالي الهجرة خارجاً عبر معبر رفح”.

مآسٍ كثيرة خلفها الفقر، كيف لا وهو الكافر الذي قال فيه عمر ابن الخطاب لو كان الفقر رجلاً لقتلته، فهو مذل الرجال الذي أجبر كثيرون منهم على اللوذ بحياتهم وبقليلٍ مما تبقى لهم من كرامة خارج حدود هذا الوطن الذي بات يقتل شبابه، فمنهم من ترك زوجة، ومنهم من ترك أطفالاً تحت عناية الله.

هل تنجح الإجراءات الحكومية بغزة في لجم ظاهرة التكييش في ظل استشراء الفقر والبطالة؟

ن. ق (25 عاماً) وهي خريجة خدمة اجتماعية وأم لطفلة، وتقول “حاولنا أن نؤسس حياة خارج غزة بعد أن ضاقت بنا الدنيا هنا، فقمنا بالسفر إلى مصر وعمل زوجي هناك لمدة أربع سنوات، لكن في النهاية الحياة في مصر لا يمكن أن تستمر لأنك لن تستطيع أن تؤسس مستقبلاً هناك، فاللي جاي كان على قد اللي رايح، وكان لابد من البحث عن فرصة من أجل تأمين حياة حقيقية”.

تغطية مستمرة.. تابعونا على قناة شبكة الخامسة للأنباء في تيلجرام

وتابعت لـ الخامسة للأنباء “هنا قررنا أن أرجع إلى غزة مع ابنتي وأن يذهب زوجي عبر تركيا والبحر إلى أوروبا، فكلنا أمل في الحصول على جنسية أجنبية بعد كم سنة وفرصة حقيقية في العمل والحياة الكريمة، والآن صرنا لا في الجنة ولا في النار”.

وأوضحت ن. ق أن زوجها الآن وصل إلى فرنسا دون الحصول على أية أوراق اعتراف كلاجئ، مما جعله غير قادر حتى على إكفاء ذاته مالياً، وتقول “ما بيبعت شيء، ووالدي هو الذي ينفق عليّ وعلى بنت، وضعنا سيء جداً الآن ولكن وجوده هنا في غزة لم يكن أفضل، هيك على الأقل عنا شوية أمل بإنه تتحسن الأمور في يوم من الأيام”.

الهروب إلى المجهول

وأفاد مجلس العلاقات الدولية الفلسطيني بأنّ 60 ألف شاب من قطاع غزة هاجروا في السنوات الماضية هرباً من سوء الأوضاع المعيشية، في حين أنّ عشرات من هؤلاء الشبان فقدوا حياتهم أثناء رحلتهم نحو المجهول.

وبحسب مصادر محلية، فإن أكثر من 360 فلسطينياً من غزة لقوا مصرعهم أو فقدوا في البحر خلال العام الماضي أثناء محاولات الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، فيما يقول مستشار وزارة الخارجية والمغتربين أحمد الديك “يلجأ كثير من الشبان في غزة إلى مغادرتها بغرض الهجرة إلى الدول الأوروبية أحياناً بطرق غير شرعية، هرباً من الأوضاع الاقتصادية المتردية في القطاع، ونتابع جميع هذه الرحلات لكن لا نستطيع إيقافها”.

ويضيف “معظم الرحلات تغرق في البحر، وهناك من يفقد أثره، ربما يأكله السمك أو ينقله الموج لمكان بعيد، لقد ألقى البحر عدداً من الجثث خلال السنوات الماضية، وحاولنا إعادة الجثامين التي تأكدنا منها إلى غزة”.

وبحسب الديك فإن “عصابات الاتجار بالبشر تقف وراء رحلات الهجرة غير الشرعية هذه، وتستغل حاجة شباب غزة وتتقاضى منهم أموالاً طائلة، لذلك يجب الامتناع عن أساليب الهجرة غير الشرعية وعدم الوقوع في مصيدة تجار الموت في البحار وعصابات الاتجار بالبشر وأعضائهم حتى لا تتكرر هذه المأساة”.

أما ماهر الطباع، مدير العلاقات العامة والإعلام بغرفة التجارة والصناعة بغزة، فيرى أن قطاع المُحاصر من قبل الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من ستة عشر سنة، ويعاني من سوء الأحوال الاقتصادية والمعيشية، يشكل بيئة خصبة للهجرة وخاصة في صفوف الشباب والخريجين.

وقال الطباع في حديثٍ لـ الخامسة للأنباء “إن معدلات البطالة تتجاوز 50%، بينما تصنف التقارير الدولية نصف سكان قطاع غزة على أنهم فقراء، ويعتمد أكثر من 80% منهم على المساعدات الغذائية العاجل، هذا الواقع الذي أنشأه الاحتلال الإسرائيلي، أدى إلى انسداد الأفق أمام الشباب الفلسطيني، ما يدفعهم للهجرة دون تفكير في العواقب أو المخاطر المترتبة على ذلك سواء على المستوى الاجتماعي أو على مستوى سلامتهم الشخصية.

هجرة أم هروب من الواقع!

لم تعد هجرة الشباب والعقول الفلسطينية من قطاع غزة إلى الخارج مجرد مشكلة بسيطة يمكن وضع المعالجات التقليدية لها فحسب، بل تعدت وصف المشكلة إلى ظاهرة خطيرة تنذر بالخطر الكبير على الواقع الديموغرافي لسكان قطاع غزة الذين يعانون من حصار مستمر وممنهج لأكثر من عقد من الزمن، تسبب بالكثير من الإشكاليات والآثار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية فبين فينة وأخرى يفجع سكان قطاع غزة بنبأ فقدان وغرق شباب في عمر الزهور يلقون مصيرهم في المياه المالحة وممرات التهريب وقبالة شواطئ بلدان اللجوء بحثاً عن الحياة الكريمة.

فإن هجرة الشباب أصبحت في محل كارثة حقيقية ومحل نقاش مستمر، وهي في زيادة مستمرة، وهذا ينم عن حجم الكارثة والمخاطر التي حلت بالشعب الفلسطيني.

وأخيراً، إن استمرار حالة الانقسام السياسي والجغرافي وكذلك الحصار الإسرائيلي لأكثر من ستة عشر سنة، وغياب الوحدة الوطنية وتضاؤل فرص إنجاز المصالحة الفلسطينية والفشل في إيجاد مشاريع التنمية المستدامة التي تلبي حاجات الشباب الفلسطيني أثرت بالسلب على واقع الشباب، وعزز الشعور باليأس وأجبرت كثيرون منهم على البحث عن فرص الحياة خارج الوطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى