شبكة الخامسة للأنباء - غزة

الكاتب: توفيق أبو شومر
كتب الصحافي، شاؤول مونتز في «يديعوت أحرونوت» يوم 13-6-2025:
«وضعَ نتنياهو قبل يومٍ واحد من قصف المفاعلات النووية في إيران، أي يوم 12-6-2 رغبته وأمنيته، وضعها بين حجارة الحائط الغربي، وجاء فيها آيةٌ من سفر العدد رقم 23-24 جاء فيها: «هو ذا شعبٌ يقومُ كلبؤة، ويرتفع كأسد»!
لأجل ذلك سمَّى نتنياهو معركته مع إيران بأنها معركة، الأسد المتوثب Rising Lion اقتبسها من سفر العدد السابق، لم يُكمل نتنياهو الآية، لأن إكمالها خطيرٌ للغاية، بما يحمله من رغبة في القتل والإبادة، «هذا الأسد لا ينام حتى يأكل فريسة، ويشرب ….»! جاءت الآية المقتبسة ضمن أشهر روايات إسرائيل الأسطورية، وهي (حمار بلعام) اختلف كلُّ علماء تفسير الكتاب المقدس والتوراة في تفسير هذه القصة، بعضهم شكك فيها وآخرون رفضوها! أما المتنبئ ذو القدرات الخارقة في هذه القصة هو بلعام بن باعور، كان يعيش في العراق، فهو شخصية غريبة، بعضهم اعتبره نبياً مرسلاً، وآخرون اعتبروه إنساناً يملك قدرات خارقة، غير أن الأغرب في كل تلك القصة لم يكن المتنبئ، بلعام، بل كان الحمار الذي يركبه بلعام!
لذلك حرص علماءُ الآثار الإسرائيليون في البحث عن سلالة هذا الحمار ذي الأرجل المخططة، وقالوا إنهم وجدوا سلالته في إحدى بلدان العالم، فأعادوا سلالته إلى إسرائيل، لكي يشاهدها الزائرون والسائحون، باعتبارها سلالة حمير مقدسة! وهم بهذا العمل سيجلبون عشرات آلاف من الراغبين في رؤية سلالة هذا الحمار الغريب، وهم سيرسخون قصة هذا الحمار كإحدى معجزات الشعب اليهودي! أما قصة هذا الحمار الغريب فقد رويت في سفر العدد، سأحاول تبسيطها!
«عندما طَرد الفرعونُ بني إسرائيل من مصر، اقتربوا من مدينة، مؤاب في الأردن، وكانوا يشكلون تهديداً خطيراً على المدن التي يمرون بها نظراً لقوة جيشهم وكثرته، كان حاكمُ مدينة مؤاب هو الملك بالاق، خشي هذا الملكُ بطشَ بني إسرائيل بمدينته لأن جيشه صغير العدد، فقرر الاستعانة بالمتنبئ ذي القدرات الخارقة، بلعام، وكان هذا الأخير يسكن العراق، وبعد عدة محاولات كان يخشى فيها غضب الرب، لأن لبلعام قدراتٍ تجعل كلَّ من يباركه بلعامُ ينعم بالسلطة والحظوة والمال، وكل من يلعنه بلعام يُهزم ويموت، وافق بلعام أن يحضر إلى مؤاب، ويلعن النبي يعقوب والمهاجمين الإسرائيليين!
ركب بلعامُ حمارَه ليواجه الإسرائيليين ويلعنهم حسب الاتفاق، قبل أن يهزموا جيش بالاق، حاكم مدينة مؤاب، سافر بلعامُ لملاقاة الجيش الإسرائيلي الجرار على ظهر حماره، غير أن حمار بلعام رأى ملاكاً يمنعه من التقدم، هذا الملاك لم يره المتنبئ بلعام، فرفض الحمار مواصلة السير، فاضطر بلعام لضرب الحمار بالعصا، غير أنه رفض مرة أخرى فضربه بلعام، وفي المرة الثالثة استلقى الحمار على الأرض ورفض أن يتقدم، ما دفع بلعام إلى أن يمطره بالعصا ضرباً، وهنا نطق الحمار وقال لبلعام: «لماذا تضربني بهذه الشراسة؟ كم كنتُ أتمنى أن أملك سيفاً لأقطع به رأسك! هكذا حدثت المعجزة الكبرى، حين نطق الحمار بلغة البشر، وفي هذه الأثناء فتح الله عيني بلعام، ورأى الملاكَ، حذره الملاكُ من الدعاء على الجيش الإسرائيلي، لأن الإسرائيليين مباركون من الله!
إن قصة نتنياهو مع قصة حمار بلعام، لا تختلف عن قصة نتنياهو في عيد المساخر مع الملكة اليهودية أستير أو هداسا الأسطورية في القرن الرابع قبل الميلاد، الفتاة اليهودية أستير بارعة الجمال أغوت أحشويرش ملك إيران وفارس، وتمكنت من هزيمة عدو إسرائيل الأول، هامان وزير أحشويرش، وألغتْ أمر هذا الوزير القاضي بقتل وطرد اليهود من إيران، هذه القصة اتخذها نتنياهو ذريعة لمهاجمة إيران، وهو بارعٌ في استحضار هذه القصة لجميع الرؤساء الذين يلتقي بهم، وهو قد أهدى الرئيس جو بايدن هذه القصة في بداية انتخابه، وهو لم يكتفِ بذلك، بل أنه يستعمل تلك القصص في معظم لقاءاته، ففي يوم 24-3-2024 التقى مع كتيبة إيرز العسكرية، واحتفل معهم بقراءة سفر أستير من التوراة لتحريضهم على إيران دينياً، وليس عسكرياً فقط! ما قاله في هذا الاجتماع: «أشكر الحاخام على قراءة سِفر أستير بإتقان، وكذلك على مضمون معاني السِّفر الهامة التي ذكرتها على هامش القراءة، نحن نحيي اليوم ذكرى عيد المساخر. وقعت هذه القصة قبل أكثر من ألفي عام في الإمبراطورية الفارسية، فنهض اليهود واتحدوا وحاربوا، بقيادة أستير ومردخاي وانتصروا نصرًا مطلقاً»!
ربط نتنياهو ما حدث قبل ألفي عام بما يحدث اليوم في الجمهورية الإيرانية قال: «أما في الوقت الراهن فقد ظهر في بلاد فارس المعاصرة لاساميّ جديد هو نظام الملالي الإيراني، الذي يهدف لإزالة دولة اليهود، وقد شاهدنا فعلاً ما فعلته حركة حماس وهي إحدى ذيول هذا الظالم، لقد ارتكبت حماس في 7 أكتوبر 2023م ما سماه الرئيس، بايدن؛ الشر المطلق، يستحيل الانتصار على الشر المطلق إذا ما بقي على حاله في قطاع غزة، هكذا نحن يجب أن نحافظ على وحدتنا، نحن نحارب وننتصر أيضًا. وسوف ندخل إلى رفح لنحقق النصر المطلق، وكما قضينا على هامان، سوف نقضي على السنوار أيضًا»!
كل ما سبق يُشير إلى أن نتنياهو ليس سياسياً ماهراً وقائداً عسكرياً بارزاً فقط، بل هو حاخام أصولي أيضاً يلبس ربطة العنق وبدلة الحداثة، سأظل أتذكر أشهر أستاذ لنتنياهو، وهو الحاخام الأصولي مناحم مندل شنيرسون، وهو حاخام طائفة حباد الحسيدية المتوفى عام 1994، هذا الحاخام هو الذي دشن نتنياهو عام 1984م، فقد التقى به في نيويورك عندما كان نتنياهو سفيراً لإسرائيل في الأمم المتحدة، أُعجب به الحاخام وقال له: «أنت الوحيد الذي سيسلم مفاتيح أرض الميعاد للماشيح المنتظر، عليك أن تُقاتل 119 عدواً لك، سيكون الجميعُ ضدك، ولكن الله سيكون معك»!
الحاخام مناحم مندل شنيرسون هو أول من شجع نتنياهو لدخول الحلبة السياسية، ومن الجدير بالذكر أن نتنياهو حتى اليوم يتبنى أفكار شنيرسون ويعتبره أباه الروحي، لأن الرابي شنيرسون يؤمن بأرض إسرائيل الكبرى المتمثلة في أرض الميعاد، وهو ضد كل تنازل عن أية أرض للفلسطينيين في مقابل السلام، وهو أيضا من مناصري فكرة ترحيل كل الفلسطينيين. من المعروف أن رؤساء أميركا السابقين، منهم نيكسون، وفورد، وريغان، وبل كلينتون كانوا يسعون لنيل رضا هذا الحاخام!
هذا الحاخام هو الزعيم السابع لحركة حباد، وكان كثيرون من أتباعه يؤمنون بأنه هو الماشيح المنتظر، كما أن عدد أتباعه يتجاوزون مليوناً، هذا الحاخام المتطرف لا يؤمن بالحوار بين الأديان، ظل يرفض زيارة إسرائيل، على الرغم من أنه بنى بيتاً ليسكنه في مدينة كفار حباد بالقرب من تل أبيب!