مقالات الخامسة

إضراب المعلمين والخسائر المتراكمة

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

كتب: عقل أبو قرع:

يتواصل إضراب المعلمين الحالي، منذ حوالي خمسين يوما، في ظل أجواء عدم ثقة وتشكيك وعدم تصديق ووعود ومناورات وشعارات، بين المعلمين أو الحراك والجهات التي تقود الإضراب وبين الجهات الرسمية ممثلة بوزارة التربية والتعليم أو الحكومة بشكل عام، وفي ظل هذه الأوضاع من الأخذ ومن الرد والشد والوعود والتهديدات، تتراكم الخسائر، سواء على صعيد العملية التعليمية، أو على الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور وعلى مجمل العلاقات بين الأطراف المختلفة التي تدير العملية التعليمية في بلادنا.
ويتواصل إضراب المعلمين الحالي، في ظل التشبث بالمواقف، وفي ظل تصريحات لا توحي بالتفاؤل، وفي ظل تشرذم مجتمعي رهيب، وفي ظل عدم وجود جهات فاعلة وعازمة ومحايدة إن جاز التعبير، وربما قادرة على حلحلة الأمور، باتجاه تحقيق الحد الأدنى من الحقوق المشروعة والعادلة للمعلمين، وفي نفس الوقت الحفاظ على نوع من ماء الوجه  للأطراف الأخرى، سواء للوزارة أو للجهات الرسمية التي من المفترض أن تتعالى على ذلك، أو للاتحاد أو الحراك الذي من المفترض أن يضع دائما حقوق المعلمين ومطالبهم وتوجههم وزخمهم في الأولوية.
ومن المعروف أن مطالب المعلمين هي مطالب نقابية حياتية معيشية، تدخل بل تؤثر في صلب حياة إن لم يكن جميع المعلمين فغالبيتهم، وبالتالي فإن تحقيق مطالبهم المشروعة والعادلة والمنصفة، والتي هي ليست بالكبيرة أو بالمعقدة، سوف يؤثر على المعلم، وعلى أفراد عائلته، وعلى إنتاجه أو على عطائه، وعلى العملية التعليمية والتربوية.
وتحقيق مطالب المعلمين، سواء من ناحية غلاء المعيشة، أو من ناحية تحقيق العلاوات الأخرى، أو من ناحية الراتب الأساسي، أو فيما يتعلق بالترقيات والدرجات واستخدام معايير الكفاءة والتقييم والنزاهة في ذلك، حيث إن تحقيق هذه المطالب من المفترض أن يكون تحصيل حاصل ولا يستدعي المماطلة والعناد والتلكؤ وسرد الحجج والأسباب، وفي نفس الوقت، لم يكن ذلك يستدعي الإضراب والمناكفات والتشاحنات وخسارة مئات الآلاف من الحصص، والاهم الخسارة المعنوية للعملية التعليمية ولأطرافها.
ومهما كان الإطار الذي سوف يتم الاتفاق عليه في المحصلة وبالتالي العودة إلى الدراسة، فإن إيجاد حلول جذرية لحقوق المعلمين، وبشكل هادئ وتشاركي وعملي وعلمي، لهو الأساس لأي عملية تطوير للتعليم وللتربية في بلادنا، سواء أكانت شكلية أو جذرية، لأنه وبدون إنصاف المعلم، الذي له الفضل على الجميع، وبدون إعادة الاحترام والكرامة والإنصاف له، وبدون تحقيق نوع من الاستقرار في حياته، بدون كل ذلك، فإن الحديث عن أي عملية تطوير نوعي وجدي وجذري في التعليم في بلادنا، لن يكون مستداما أو مجديا أو حتى قابلا للتطبيق.
ومع عمليات الشد والجذب بين المعلمين والحكومة، من المفترض التأكيد أن الإضرابات أو الخطوات الاحتجاجية هي حق كفله القانون والنظام الأساسي في بلادنا وفي بلاد أخرى، وإنها ليست بالجديدة، سواء على صعيد المدارس أو في الجامعات الفلسطينية، وبصرف النظر عن طبيعة وحجم المطالب التي أدت وتؤدي إلى الاحتجاجات، فإنها تتمحور في النهاية حول تحسين الظروف المعيشية للعاملين، أو بالأدق حول الأوضاع المالية للمعلمين أو للموظفين، وهذه المطالب تدور في نفس الإطار الذي دارت فيه مطالب العاملين في كل الفترات التي شهدت تحركات للعاملين سواء في المدارس أو في الجامعات الفلسطينية، وبالتالي فنوعية المطالب وأسبابها معروفة منذ سنوات، وليست وليدة هذه الفترة، أي أن هذه المطالب لم تلق الجدية أو التعامل الجدي من اجل توفير حلول جذرية لها.
ولكن السؤال الأهم هو لماذا تصل الأمور إلى حد الإضرابات وتعطيل العمل، وبدء عملية شد الحبل بين الأطراف، مع العلم انه معروف أن هذه المطالب مشروعة، وبأنه كان من المتوقع أن يصل الوضع إلى ما وصل إليه، فلماذا لم توجد آلية للتنسيق وللتشاور، وبالتالي استكشاف الإمكانيات ووضع التصورات بهدوء وبعيدا عن التهديدات والبيانات والإعلام، وبالتالي الخسائر المتراكمة.
وفي هذا الإطار، فلا عجب أن توفير حلول جذرية للعملية التعليمية، وفي مركزها قضايا وحقوق المعلمين، شكل ويشكل الأساس لتنمية وتقدم المجتمعات، ومن الأمثلة الحديثة على ذلك، هو ما حدث ويحدث في دول ومجتمعات قريبة منا، من تقدم وتطور وبأنواعه المختلفة.
وبدون الخوض في تفاصيل بنود الميزانية، وتوزيع نسبها وأولوياتها في بلادنا، وبدون الخوض في تفاصيل الإيرادات والنفقات والمنح والتبرعات، وبدون الخوض في تفاصيل العجز المتراكم في الميزانية العامة منذ سنوات، أليس مثلا من الممكن زيادة نسبة 5%  في ميزانية التربية التعليم، وأيضا أليس من الممكن اقتطاع هذه النسبة مثلا، من ميزانيات أو بنود أخرى في إطار الموازنة العامة، وان لم يكن ذلك ممكنا، أليس من الممكن زيادة الإيرادات بشكل منصف وترشيد النفقات وبشكل عقلاني من اجل الحصول على هذه الزيادة في ميزانية التعليم، وهل من الممكن الاستثمار في قطاعات إنتاجية من قبل الحكومة أو بالشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص، سواء في الزراعة أو الصناعة أو السياحة، من اجل زيادة نسبة ميزانية «التربية والتعليم» ولتكن هذه الزيادة وبشكل أساسي لتلبية الحقوق والالتزامات المنصفة نحو المعلمين.
وفي بلادنا، نعرف أن التعليم، بدءا من الصفوف الأولى وحتى التوجيهي، يشكل جزءا أساسيا من حياتنا، وان الإقبال على التعليم شكل فخرا للكثير من الأفراد والعائلات، وان نسبة الأمية في بلادنا تكاد لا تذكر، وبالأخص عند الأجيال الحالية، وبأنه يوجد اكثر من مليون طالب يلتحقون بالتعليم المدرسي، وبأن هناك حوالي 40 ألف معلم ومعلمة، يبذلون جل جهودهم من اجل العطاء وتربية الأجيال، رغم القيود وضعف الإمكانيات والأولويات والمصادر المتاحة، ولكن ومع الإدراك الذي لا يجادل فيه احد لأهمية التعليم والمعلمين،  وانطلاقا من الأزمة الحالية، التي نأمل أن تنتهي بأسرع وقت، أليس من المجدي العمل لإيجاد حلول جذرية، مستدامة، عادلة، وتلقى قبول الناس والمجتمع، لقضايا المعلمين.
ومع انتظار حلحلة أزمة إضراب المعلمين، والأمل أن تكون بأسرع ما يكون، فقد تعلمنا من التاريخ ومن الأحداث أن العديد من الأزمات الصغيرة قد شكلت الأرضية أو الأساس من اجل إيجاد حلول جذرية لازمات أو لأوضاع متراكمة، أو بمعنى آخر لإيجاد علاجات جراحية وليست موضعية لأوضاع تراكمت وتتراكم مع الزمن خلال السنين بدون العمل لإيجاد حلول مستدامة لها، ومن الأمثلة على ذلك أزمة إضراب المعلمين الحالية، والتي تعكس أوضاعا غير طبيعية، تتمثل في أوضاع عدالة أو موضوعية توزيع بنود المصادر والإمكانيات والميزانية العامة والأولويات والنظرة بعيدة المدى إلى التنمية التي نطمح لها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى