مقالات الخامسة

الون بنكاس: العالم غير مكترث لغزة

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

الخامسة للأنباء – هآرتس

(المضمون: العالم في الحقيقة لا يكترث لما يحدث في غزة. ولكن اسرائيل هي التي يجب عليها أن تعيش الى جانبها ).

حتى في احداث مأساوية يكون هناك بين حين وآخر لحظة هزلية. في كل ما يتعلق بالردود في العالم على عملية “بزوغ الفجر” فان روسيا هي التي وفرت هذه اللحظة. بدون أن يرف لها جفن وبصورة جدية جدا اعلنت وزارة الخارجية في موسكو بأن “روسيا تقلق جدا من العنف. وهي تطلب من اسرائيل ضبط النفس”. روسيا هذه، التي ببطولة كبيرة وبحذر شديد وباعتدال زائد، قامت بغزو اوكرانيا في شهر شباط الماضي من اجل “اقتلاع اعشاب النازية في كييف”.
 

الى جانب السخرية والوقاحة والاهانة فانه يكمن في رد روسيا معنى سياسي، وهو أن العالم لا يكترث، يتثاءب ولا يسارع الى ادانة اسرائيل بكل التعبيرات والادانات المعروفة. في الحقيقة الحديث يدور عن مرحلة مبكرة، واذا استمرت المواجهة في غزة فمن المرجح أن الردود ستصبح اكثر حدة وشدة. ولكن اذا كان التصريح الصادر من موسكو هو الاكثر حدة ضد اسرائيل، حتى الآن، فانه على الصعيد السياسي لا يوجد لاسرائيل ما تقلق منه.

بالنسبة للعالم، جولة قتال بين اسرائيل والفلسطينيين في غزة تشبه فيلم من افلام الطبيعة عن اسد يكمن ويطارد الحمار الوحشي أو الجاموس في السفانا الافريقية. العالم يجلس امام التلفاز وينتقل بجهاز التحكم عن بعد الى قناة “ناشيونال جيوغرافيك” أو الى “ديسكافري” ويسمع ديفيد اتينبورو وهو يصف بهدوء وبشكل دراماتيكي الكمين والاستعداد والانقضاض والمطاردة ومناورة التملص اليائسة والتعب والدفع الى الزاوية والاستسلام والنهاية المعروفة.

مثلما في فيلم الاسد والجاموس، هكذا ايضا الامر في غزة. غعندما تشغل التلفاز من المرجح أن تشاهد فيلم عن جولة قتال، صواريخ على اسرائيل، دمار في جباليا، جنرال سابق يشرح نجاح الردع، وعدالة طريق اسرائيل، ومعه العالم، لا يعرف هل هذه هي نفس الشيء الذي سبق وشاهده عشرين مرة أم أنه شيء جديد. كل شيء معروف، الحركات متوقعة والنهاية تقريبا معروفة دائما. من المرجح أن تحول القناة الى شيء مثير اكثر وحديث اكثر مثل المناورات الصينية حول تايوان أو الحرب في اوكرانيا أو موجة الحر الشديدة في اوروبا أو كرة القدم.

مع ذلك، بالنسبة لجولة القتال الحالية، اذا تم الاعلان عن وقف لاطلاق النار في الليل أو في الصباح، ربما يكون هناك تغيير في ردود العالم: هدوء نسبي. لا أحد يحب الجهاد الاسلامي، ولا أحد يكترث لغزة.

الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وبريطانيا “تعبر عن القلق”، لكنها تعرف دوافع اسرائيل “التي تدافع عن مواطنيها”. وزير الخارجية البريطانية، التي تتنافس على استبدال بوريس جونسون لرئاسة الحزب المحافظ، ورئيس لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة روبرت ماننديز، عبروا عن الدعم الكاسح لاسرائيل. وحتى أن المغرب اكتفت ببيان غير اعتيادي غابت عنه أي ادانة واشارت فيه فقط أنها “تعبر عن القلق العميق من تدهور الوضع في القطاع”.

الاتحاد الاوروبي وفرنسا وايرلندا والنرويج والصين، جميعها بادرت الى عقد اجتماع طاريء مغلق لمجلس الامن، لكن لا يوجد أي سبب للدهشة. كما يبدو، عندما تكون ثلاث دول اعضاء دائمة في المجلس وهي فرنسا والصين وروسيا – “حليفتنا الاستراتيجية وصديقتنا الكبرى”، مثلما يوجد من ما زالوا يسمونها في اسرائيل – تعقد نقاش، فان اسرائيل يمكنها توقع الادانة التقليدية لها. لكن هنا يجب أخذ أمرين في الحسبان. أولا، مجلس الامن هو جسم ممل جدا، الذي منذ غزو روسيا لاوكرانيا، لم ينشغل بأي شيء له اهمية. اسرائيل وغزة هما فقط ذريعة لاظهار حجم عمل واظهار قلق من اعماق القلب على سلامة العالم. ثانيا، اذا طالت جولة القتال لبضعة ايام وزادت لهجة بيان الادانة فان الولايات المتحدة ستفرض الفيتو.

رد العالم يجب أن يفحص ببعدين: النطاق والمدة المحددة للعملية حتى الآن، والظروف الدولية المخففة التي تنعكس في سلم الاولويات العالمي. بالنسبة لاساس الوقت، فانه طوال سنين فان الافتراض الاساسي السائد في اسرائيل هو أنه يوجد لدى المستوى السياسي نحو 96 ساعة للعمل قبل استيقاظ العالم. من هنا يجب اشتقاق طبيعة ونطاق العملية العسكرية. في الـ 24 ساعة الاولى هي تحصل على حرية عمل كاملة لأنه على الاغلب هذه العمليات تأتي كرد على عمليات ارهابية أو اطلاق صواريخ. وفي الـ 48 ساعة التالية العالم يعطي اسرائيل حرية مناورة نسبية، بشكل عام بفضل بيانات الدعم والمظلة الدبلوماسية الامريكية، لكن يتم البدء بالتحذير من قتل المدنيين ومن عملية برية.

الـ 24 ساعة الاخرى هي نقطة الانعطافة: التدمير والقتل في غزة متراكمة وتظهر صورتها سيئة والعالم يعود الى المعادلات المعروفة من المحتل – الواقع تحت الاحتلال، القوي – الضعيف، اف 16 – مخيم لاجئين. هكذا بعد انتهاء اربعة ايام وبمساعدة من امريكا فان اسرائيل تمد وتوسع لبضعة ايام نشاطاتها في موازاة اطلاق الشعارات عن “السعي الى وقف لاطلاق النار” بالضبط مثلما في فيلم الاسد والجاموس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى