الرئيسيةتقارير

المرأة الفلسطينية.. عبقُ الزيتون وحافظةُ الأرضِ والعِرضِ وخيرُ رفيقٍٍ في الزمان

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

خاص الخامسة للأنباء – تقرير محمد الذهبي:

اليوم العالمي للمرأة هو احتفال عالمي في الثامن من آذار من كل عام، ويقام للدلالة على الاحترام العام وتقدير وحب المرأة لإنجازاتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وفي كثير من دول العالم كالصين وروسيا وكوبا وفلسطين، تحصل النساء على إجازة في هذا اليوم.

جاء الاحتفال بهذه المناسبة إثر عقد أول مؤتمر للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي في باريس عام 1945، ومن المعروف أن اتحاد النساء الديمقراطي العالمي يتكون من المنظمات الرديفة للأحزاب الشيوعية وكان أول احتفال عالمي بيوم المرأة العالمي، رغم أن بعض الباحثين يرجح أن اليوم العالمي للمرأة كان على إثر بعض الإضرابات النسائية التي حدثت في الولايات المتحدة.

يوم تقدير للأنوثة..

في بعض الأماكن يتم التغاضي عن السمة السياسية التي تصحب يوم المرأة فيكون الاحتفال أشبه بخليط بيوم الأم، ويوم الحب، ولكن في أماكن أخرى غالباً ما يصاحب الاحتفال سمة سياسية قوية وشعارات إنسانية معينة من قبل الأمم المتحدة، للتوعية الاجتماعية بمناضلة المرأة عالمياً، فيما يحتفل بعض الأشخاص بهذا اليوم بلباس أشرطة وردية.

طرقٌ متنوعة للاحتفال بيوم المرأة حول العالم، فيجري الاحتفاء بها اجتماعيًا، في حين تحتفل الأمم المتحدة بالعيد فيما يتعلق بقضية أو حملة أو موضوع معين تحت نطاق حقوق المرأة، وفي بعض أنحاء العالم، لا يزال اليوم العالمي للمرأة يعكس أصوله السياسية، ويتميز بالاحتجاجات والدعوات إلى التغيير الجذري؛ بينما في مناطق أخرى هو يوم اجتماعي ثقافي إلى حد كبير ويتركز حول الاحتفال بالأنوثة.

تاريخ يوم المرأة..

تاريخياً، أقيم أول احتفال بيوم المرأة والذي أطلق عليه (اليوم الوطني للمرأة) في الثامن عشر من فبراير 1909 في مدينة نيويورك الأمريكية، ونظمه الحزب الاشتراكي الأمريكي بناءً على اقتراح من الناشطة تيريزا مالكيل.

ظهرت ادعاءات بأن هذا اليوم كان إحياءً لذكرى احتجاج العاملات في مصانع الملابس في نيويورك في الثامن من آذار 1857، لكن الباحثين أنكروا هذه الادعاءات وقالوا أنها تهدف إلى فصل يوم المرأة العالمي عن أصله الاشتراكي.

وفي أغسطس 1910، عُقد المؤتمر النسائي الاشتراكي الدولي قبل الاجتماع العام للأممية الاشتراكية الثانية في كوبنهاغن في الدنمارك، وبإلهام جزئي من الاشتراكيين الأمريكيين، اقترح المندوبون الألمان كلارا زتكن وكيت دنكر وبولا ثيد وغيرهم، إقامة يوم المرأة سنويًا دون أن يحددوا تاريخًا معين لذلك، وقد وافق المندوبون المائة الذين يمثلون سبعة عشر دولة على الفكرة باعتبارها استراتيجية لتعزيز المساواة في الحقوق، بما في ذلك حق المرأة في التصويت.

وفي العام التالي، أي في التاسع عشر من مارس 1911، احتفل أكثر من مليون شخص في النمسا والدنمارك وألمانيا وسويسرا باليوم العالمي للمرأة لأول مرة، حيث كانت هناك 300 مظاهرة في النمسا والمجر وحدها، خرجت فيها النساء في مواكب كبيرة على طريق فيينا الدائري، وحملن لافتات تكريما لضحايا كومونة باريس، وطالبت النساء في جميع أنحاء أوروبا بالحق في التصويت وتقلد المناصب العامة، وقمن باحتجاجات ضد التمييز بين الجنسين في العمل.

نصف المجتمع وجذرُ الصمود..

وعلى الصعيد الفلسطيني، لا يمكن الجدال في حقيقة صمود الفلسطينيين بمواجهة المشروع الإسرائيلي الاحتلالي الاستعماري الذي وصفته منظمات حقوقية أممية بأنه نظام فصل عنصري يستهدف الشعب الفلسطيني بكافة فئاته وشرائحه وفي جميع أماكن تواجده.

ولا يمكن الجدال أيضاً حول حقيقة أن هذا الصمود الأسطوري المستمر لنحو مائة عام تقريباً ما كان ليحدث دون انخراط كافة فئات وشرائح المجتمع الفلسطيني بالضرورة، مع دور جدي ومركزي للمرأة فيه كونها نصف المجتمع. وإذا كان الرجل الفلسطيني عنيداً صامداً ولا يزال يقاوم محكوماً بالأمل والثقة في النصر، فلا شك أن المرأة شريكة أساسية في مقاومته وصموده وأمله.

وإذا كانت الأسرة، تمثل النواة الأولى والصلبة للمجتمع، فهنا أيضاً نجد للمرأة دور مركزي للمرأة في صمود وثبات المجتمع ككل، مع أخذ الدور الذي تلعبه ضمن نطاق الأسرة بعين الاعتبار، ولاسيما فيما يخص تنشئة الأجيال الجديدة على الذاكرة العصية والرواية الوطنية والإرث النضالي العادل.

تضحيات المرأة الفلسطينية..

وعلى صعيد التضحيات المباشرة في المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، فقد تم خلال السنوات الأخيرة، وحسب الإحصائيات الرسمية، اعتقال 1100 امرأة منذ 2015، بينما هناك الآن 28 أسيرة معتقلة في سجون الاحتلال.

وفي هذا الصدد، لا بد من الإشارة إلى أن المرأة بشكل عام هي أمّ وأخت وزوجة لآلاف المعتقلين حالياً، ومئات آلاف المعتقلين والشهداء على مرّ العقود السبعة بل العشرة الماضية، أي منذ بداية الهجمة الاستعمارية على فلسطين.

سنديانة المجتمع والنضال..

راهناً أيضاً، ثمة حضور بارز ومباشر للمرأة في ساحات وميادين الصراع المختلفة، وهي حاضرة في القدس بمواجهة التهويد والاستيطان، كما في ميادين الرباط دفاعاً عن المسجد الأقصى، وهنا تمثل خديجة خويص التي اعتقلت أكثر من 28 مرة، عنوانا ورمزاً للمرابطات الفلسطينيات.

وقد عرف دور المرأة الفلسطينية على مدى قرن من الزمن ودورها في صنع جيل قادر على أن يؤدي رسالة عظيمة رغم ظروف القهر والاحتلال الذي لا زال يربض على أرضنا ويمعن في الاستيلاء على هذه الأرض بكل الوسائل غير الشرعية.

وجسدت المرأة الفلسطينية دورها الوطني الملموس في ثورة فلسطين الكبرى عام 1936، كما برز دورها جلياً بعد انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة عام 1965 على الصعد كافة.

فلسطينيات عبر التاريخ..

ويعج السجل الفلسطيني بأسماء نساء فلسطينيات تركن بصمات واضحة في النضال، حيث شاركن في العمل العسكري والميداني، وقدن العديد من المظاهرات والاحتجاجات الوطنية ضد الاحتلال، وحملن البندقية، وقاومن كما الرجل، وخضن غمار الكفاح المسلح، واستشهدن، واعتقلن، بل وأبعدن، كما خضن العمليات الاستشهادية البطولية، وقدن المجموعات الفدائية داخل فلسطين وخارجها.

وتعاظم دور المرأة في النضال الفلسطيني بعد عام 1965، بنشوء منظمة التحرير الفلسطينية، وانطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة، وأصبح دورها أكثر انتظاما داخل الأحزاب السياسية، وكان هناك وعي من المرأة ذاتها ومن الأحزاب لدورها، على ضوء التجارب التاريخية، ونكبة عام 1948 و1967، حيث كان الجميع يرزح تحت الاحتلال، والواجب الوطني يقتضي مقاومة هذا المحتل.

ومنذ الـ67 وحتى الآن، اعتقلت نحو 17 ألف فلسطينية، معظمهن شاركن في العمل الوطني بكل أشكاله من الكفاح المسلح، للكفاح الاقتصادي، فالاجتماعي، فهي أم الشهيد، وأم الأسير، وأم الجريح، وتشارك في المظاهرات، والاحتجاجات، والاعتصامات منذ 1917 حتى يومنا هذا، وحينما تم توقيع وثيقة الاستقلال كان ما نسبته 80% من الاقتصاد الفلسطيني يعتمد على المرأة، والتعليم، والعمل التطوعي، والعمل في الأراضي، وغيرها من المؤسسات.

شريكٌ حاضر في كل المحافل..

وتبوأت المرأة مناصب مرموقة في منظمة التحرير، وداخل الفصائل والأحزاب، رغم عدم رضانا الكامل عن الحجم الذي تمثله، فهي عنصر أساسي من مكونات هذا الشعب المناضل.

وبالعودة إلى ستينات القرن الماضي، فقد كانت المرأة الفلسطينية من أوائل المشاركين في مقارعة المحتل براً وبحراً وجواً، إذ سطرت المناضلة الشهيدة دلال المغربي أروع الملاحم البطولية، حينما أعلنت أول جمهورية مستقلة على أرضنا المحتلة لمدة ثلاث ساعات، وشادية أبو غزالة، وهي أول شهيدة فلسطينية، وليلى خالد حينما خطفت أول طائرة وخاطبت حينها موشيه ديان وقالت له “هذه أرضي”.

وشهدت مشاركة المرأة نمواً كبيراً في مراحل المد الثوري، وسجلت سيل من العمليات النوعية للمناضلات الفلسطينيات كخطف الطائرات (ليلى خالد وأمينة دحبور)، وعمليات في الضفة الغربية وغزة (فاطمة برناوي– عايشة عودة– رسمية عودة– رشيدة عبيدو– عبلة طه وسهام الوزني وعائدة سعد– صبحية سكيك وفيروز عرفة ونهلة البايض) وغيرهن من الفدائيات.

هاجر أزواجهن.. فأصبحن بين كابوس انتظار المجهول وهاجس الفقر والانفصال

ختاماً.. لقد ابدعت المرأة الفلسطينية في الإخلاص للوطن، حينما رشت حبات عرقها على التراب الطاهر وهي تفلح الأرض كتفاً بكتفٍ مع الرجل، وحينما حملت على كتفيها الرقيقين حمل العائلة والأبناء بعد استشهاد أو اعتقال زوجها.

دامت خضرة الأرض الفلسطينية، وبقيت رائحة زهر الليمون وعبق الزيتون، رغم كل ما تعرض له أبناء شعبنا في كل أماكن تواجده من بطشٍ وإرهابٍ إسرائيلي، بفضل عرق وسواعد الأمهات والزوجات والبنات، وقد كُنّ خير حافظاتٍ للأرضٍ والعرض في كل مكان، وخير رفيقاتٍ في كل زمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى