مقالات الخامسة

عدلي صادق: ما يخصنا من انتخاباتهم

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

أغلب الظن أن أداء دولة الاحتلال الساقطة إنسانياً، في ممارسة العملية الانتخابية، قد أدهشت للمرة الخامسة والعشرين (كنيست) الأنظمة العربية والقوى السياسية في المنطقة، والشعوب المبتلية بأنظمة سياسية متخلفة وعقيمه!

تتنوع عناصر الإدهاش، وتتعدد، وهذا بعضها:
1 ـ أن هذه الدولة، تحافظ على قوة مؤسساتها الدستورية، الناظمة للعبة الحكم، مهما تردت العلاقة بين القوى والأحزاب السياسية الطافية على السطح، وحصل الانسداد.
2 ـ أن هذه الدولة العلمانية تحتضن كل أصولياتها اليهودية، ولا تحاكم أي منها ولا تفكر في إقصائه، بناءً على رأي الآخرين في الخارج من هذه الأصوليات، ولا يزعجها أن تتمادى هذه الأصوليات في التطرف، ولا يهمها بشاعة أطروحاتها، بالمعايير الإنسانية البحتة، ما يجعلها راسخة وتتنامى، علماً بأن عباس يشترط على القوى الوسطية لكي يصالحها أن تعلن قبولها ما يسمى “قرارات الرباعية المتبخرة).

في إسرائيل، يحاول العلمانيون الصهاينة الاستفادة من القوى الصهيونية المتطرفة ومنافقتها ومحاولة كسبها بشروطها هي.
3 ـ تحرص هذه الدولة، على تنزيه نفسها عن “قلة العقل” حيال ما يعيشون فيها ويناصبونها العداء ويعلنون جهاراً نهاراً بأنهم عرب فلسطينيون وطنيون. فبدل الحظر الرسمي تترك هذه الدولة للقوى الحزبية والأصولية العنصرية هذه المهمة، شرط الحفاظ على محددات النظام العام، وهنا تتصرف بما يُعد نوعاً من الاقتدار، الذي تسخره كله، لمشروع ضرب القضية الفلسطينية في مقتل، وممارسة الإنكار التام للحد الأدنى من الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وتمارس العدوان الدموي يومياً.

4 ـ من جانبها، القوى الحزبية الصهيونية اليهودية الفاشية، تتحاشى الرعونة وتحرص على أن ترد للدولة التي اطلقت لها العنان، الجميل بعدم المساس فيها أو التشكيك في جوهر “وطنية” القوى السياسية العلمانية الغالبة، حتى عندما تنتقد مواقفها. وهنا نكون بصدد طرفين الواحد منهما أكثر لؤماً وحنكة من الآخر، بل أمام طرفين يتكاملان، بينما النظام السياسي بلادنا، يتصرف ـ بحكم بنيته وضعف مشروعيته بمعايير الديموقراطية ـ كمن يحسبُ كل صيحة عليه ويخشى منها على نفسه، فيمارس الوقاحة بالإقصاء بكل أشكال الإقصاء، التي وصلت في الضفة وغزة الى تمكين القبضة الأمنية وممارسة التعذيب وقطع الأرزاق وحرمان الأطفال من قوت يومهم بقطع رواتب آبائهم.

ومن جانبها، تكون القوى الدينية في البلدان العربية، عندما تَبِل حزامها أول ما تشرب، وتقف عن شعاراتها القصوى، دون أن ترى أحداتً غيرها، كمن تقول أوجدوا لهذا النهج مكاناً في الجدار وإلا سنهدم الجدار كله.
5 ـ الأريحية التي لوحظت على المتحدثين العرب وتعليقاتهم النقدية للقوى الصهيونية وللمتطرفين المهووسين اليهود ولأحزابهم العربية المنخرطة في الانتخابات العربية، يحسدهم عليها الفلسطينيون في الضفة وغزة والشتات. فالفلسطيني في الدولة المارقة نفسها، يتصرف كالفلسطيني في بلجيكا مثلاً، يقول ما يشاء ولا يخشى مداهمة بيته بجريرة موقفه، ولا يتوقع إقصاءه وحرمان أطفاله من قوت يومهم، لأن بلجيكا تعرف أنه لن يغير شيئاً من خياراتها، وأن رأيه حق له. والفلسطيني الأول، يعطينا بشرف، كشعب فلسطيني كل الولاء الحقيقي، لكنه لا يتخيل نفسه تحت حكم فلسطيني شبيه بأشكال الحكم القائمة عندنا. فالموت الزؤام، عنده، أهون من هذا المصير. والعدو المحنك اللئيم، بالنسبة له، حتى ولو كان عنصرياً، سيكون أفضل من الحكم الأرعن الذي لا تُعرف له وجهة سوى الذيلية والدونية وإطاحة الحقوق الدستورية للناس، والوقوع تحت رحمة حكام متنمرين على شعبهم وأرانب أمام العدو أو يستبدون بذريعة مقاومته. وهنا الطامة الكبرى!

6 ـ قناة “مكان” الإسرائيلية، التي تبث باللغة العربية، استضافت كل من له رأي مضاد للصهيونية الدينية المتطرفة، وظهر المحترمون من أبناء الشعب الفلسطيني على الشاشة، يتحدثون ويحللون براحتهم، وبدا مقدمو البرامج الذين معظمهم أسماء عائلات فلسطينية؛ يديرون الأمور بطريقة لا تروق للصهيونية المتطرفة. أما التقنيات التلفزيونية، ومستوى الأداء، فعلى المعنيين الاستفادة منه.
7 ـ في الختام، جوهر التفوق الإسرائيلي، ليس السلاح الآثم الذي يعتدون به، بقدر ما هو مستوى إدارتهم لأنفسهم وللحياة السياسية في داخل دولتهم.

ذلك بينما جوهر بؤس أحوالنا، أن الإضعاف والدونية والإقصاء، وعدم الثقة بالنفس، يشتغل على الجهتين، في إدارة الداخل وفي وضاعة المخرجات السياسية العملية الى الخارج، ما جعلنا نقدم العجيبة الثامنة لعجائب الدنيا السبع، عندما يتواطأ أمنياً، الطرف المحتلة أرضه، مع الطرف المحتل، في الوقت الذي يثرثر فيه يومياً ويدعو الآخرين الى الوحدة والتضامن والدعم ومؤازرة القضية ومناضليها، دون أن يدعو نفسه!

في تكريس الحقوق الدستورية للناس، وتكريس العدالة والحكم الرشيد، يكمن سر القوة ويتحقق السلام الاجتماعي ويترسخ السلم الأهلي وتتحقق الجدارة في مقاومة هذا العدو الفاجر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى