تقارير

غزة| مُعلمات الروضات.. أجورٌ متدنية ومعاملة سيئة في ظل غياب القانون

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

“معلمات الروضات في غزة” خاص الخامسة للأنباء – تقرير محمد الذهبي:

نحو ستمائة روضة خاصة موزعة على مدن ومحافظات قطاع غزة من بيت حانون شمالاً حتى رفح جنوباً، جميعها تحمل صفة الملكية الخاصة معتمدة ومُرخّصة من وزارة التربية والتعليم.

ويعيش قطاع غزة، تحت الحصار “الإسرائيلي” المطبق على كافة مناحي الحياة منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، ما أثر بشكلٍ كبير على فرص العمل ومستوى الأجور والمدخولات العامة للمواطنين، حيث تجاوز معدل البطالة في قطاع غزة نسبة الـ75%، ووصل عدد العاطلين عن العمل إلى 450 ألف عاطل وفقاً لآخر الإحصائيات، في أصغر بقاع العالم جغرافيّاً وأكثرها اكتظاظاً بالسكان.

الرسوم الشهرية ورأي أرباب المهنة

الرسوم الشهرية لرياض الأطفال المنتشرة في كافة أحياء قطاع غزة، تتراوح ما بين خمسين إلى مائة شيقل، عدا عن المصروفات المتعلقة بالقرطاسية وحاجيات الأطفال اليومية من مصروف ووجبة طعام وغيره، والتي يتكلّف بها الأهل، مما يثقل كاهل معظم الأسر الغزية، ولاسيما تلك التي يحمل أربابها صفة -عاطل- عن العمل، وهناك رياضٌ أخرى تترواح أسعار الرسوم الشهرية فيها ما بين 200-500 شهرياً وهي قلّة.

تقول السيدة ع. ق، من مدينة غزة، وهي مالكة لإحدى رياض الأطفال الخاصة في أحد الأحياء الشعبية شرقي المدينة “الرسوم الشهرية لدينا خمسين شيقلاً فقط، هذا المبلغ لا يكفي لتغطية النفقات الشهرية للروضة، حيث لدينا نحو أربعين طالب وطالبة، ولكن ليس من الملائم رفع الرسوم أبداً، ففي ظل الظروف الحالية ورغم انخفاض قيمة الرسوم الشهرية، إلا أن حوالي ثلث أهالي الطلاب لدينا غير ملتزمين بالسداد“.

في ذكرى نصر أكتوبر.. مصر القلب النابض لفلسطين وأهلها

وعن الزي، فلا تفرض المربية ع. ق، زياً رسمياً على طلاب روضتها، حال غالبية رياض الأطفال المنتشرة في غزة، وذلك مراعاةً لظروف الأهالي المادية الصعبة، فتقول “لدينا زياً خاصاً بالطلاب، وتكلفته ليست عالية، حيث تبلغ قيمته خمسين شيقلاً ويستخدمه الطالب طيلة العام الدراسي، ولكننا لا نستطيع إلزام الطلاب به في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها“.

وفيما يتعلق بالأجور الشهرية للمربيات لديها قالت “أجور المربيات لدينا 300 شيقل، ولدينا فاتورة نفقات شهرية شبه ثابتة، قيمتها 1300 شيقل موزعة ما بين أجور المربيات والمكان وفواتير الكهرباء والمياه، ونجمع شهرياً ما يتراوح بين 1500-1700 شيقل من رسوم الطلبة المسجلين لدينا، وما يتبقى لنا بعد الفواتير والنفقات نكتفي به لتدبير أمور الحياة“.

الدور الرقابي للتربية والتعليم

وفي حديث أجرته “الـخامسة للأنباء”، مع د. منى الصادق، مدير دائرة الجودة بوزارة التربية والتعليم العالي بغزة، أشارت إلى أن وزارتها تحمل على عاتقها مسئولية التراخيص والتأكد من سلامة وأمن الطفل داخل المؤسسة التعليمية، من خلال الإجراءات التي تكفل عدم تعرض الأطفال لأية مخاطر محتملة أثناء تواجدهم بهذه المؤسسات.

وبالنسبة لدور الوزارة مع العاملين في رياض الأطفال، قالت الصادق “نحن نهتم بإجراءات وزارة الداخلية كوننا لسنا مسئولين عن توظيف هذه الشريحة من الموظفين، فتقوم الداخلية بإصدار عدم ممانعة يثبُت من خلالها أن الشخص ذو أهلية لافتتاح، والإشراف على مؤسسة تعليمية، حتى يطمئن ولي الأمر بأن أولاده في أيدي أمينة، وكذلك بخصوص العاملين نهتم بحسن السير والسلوك والمؤهلات العلمية بما يستوفي شروط مربيات ومديرات رياض الأطفال“.

وعن أجور المربيات برياض الأطفال، أوضحت “هذا الأمر مرتبط بوزارة العمل، حيث أن أجور العاملين والحد الأدنى للأجور يسير وفق قانون العمل الصادر عنها عام 2000م، بالتالي هي من تتابعه ونحن ليس لنا أي دور رقابي بهذا الشأن“.

وأكدت د. الصادق لـ “الخامسة للأنباء”، على أن العامل إذا تقاضى أجره بشكلٍ جيد ومناسب سيترتب عليه عدة أمور أهمها الانتماء للمؤسسة التي يعمل فيها، معتبرةً أن الأجر للموظف هو الحق الأول، وأنه إن كان مجزياً وفي حدود المنطق والمعقول سيجعل العامل يُقدّم أداءً أفضل ويجعله قادراً على الإنجاز والإبداع بشكلٍ أفضل.

دور وزارة العمل

وعند سؤال الجهات المختصة بوزارة العمل حول طبيعة دورها الرقابي على أجور العاملين في رياض الأطفال، قال أ. حسين حبوش، مدير دائرة شروط العمل بوزارة العمل في غزة “إن وزارة العمل تسعى لتطبيق قانون العمل رقم (7) في جميع المنشآت، ومن ضمنها رياض الأطفال، فتقوم الوزارة من خلال مفتشيها بمديريات عملها الخمس بزيارات دورية للمنشآت التي من ضمنها رياض الأطفال للتحقق من شروط السلامة والصحة المهنية وشروط العمل المتمثلة في عدد ساعات العمل، الإجازات السنوية وغيرها مما نصّ عليه القانون، وأخيراً قضية الأجور“.

وأوضح أن المشكلة بموضوع الأجور مشكلة عامة يعاني منها جميع العاملين في كافة القطاعات بغزة، حيث قال “ليس وحدهم معلمات الروضات في غزة يعانين من زهد الأجور، علماً بأن هذه الشريحة تحصل على أدنى أجور في غزة، وهذا بالتأكيد لا يتناسب مع المستوى المعيشي الراهن، مما جعلنا نتقدم بعدد من التوصيات للأمانة العامة من أجل تشكيل لجنة مختصة بالأجور، وذلك لوضع حد أدنى وضابط معياري يعتمده مفتش العمل أثناء جولاته التفتيشية داخل المنشآت، لاسيما وأنه غير قادر حالياً على ضبط قضية الأجور نظراً لعدم توافر قانون ينص على الحد الأدنى منها“.

وأضاف حبوش “مفتش العمل يقف عاجزاً اليوم أمام قضية الأجور لعدم وجود حد أدنى لها، فلا توجد مخالفة بين يديه، لأن المخالفة تكون لإجراء أو مادة قانونية أو قرار حكومي وهذا ما نفتقده حتى الآن“.

آمالٌ بحل الإشكالية

وتمنى حبوش أن يتم تفعيل لجنة الأجور في أسرع وقتٍ ممكن، منوهاً إلى أنها ستضم وفقاً للتصور الذي تم رفعه للأمانة العامة لمجلس الوزراء، الحكومة وأصحاب العمل ونقابات العمال، وذلك من أجل وضع حد أدنى للأجور يُطبّق في قطاع غزة بما يتناسب مع الواقع الذي نعيشه في ظل الحصار والمشكلات غير الموجودة في أرجاء أخرى من الوطن.

وحول رأي الوزارة بالمبالغ الزهيدة التي يتلقينها معلمات الروضات في غزة، والتي تصل إلى 200 و300 شيقل شهرياً، قال “الأجور بهذه المبالغ لأي شخص غير منصفة أبداً، فهذه مبالغ زهيدة جداً بالنسبة للمستوى المعيشي“، ملمحاً إلى أن مؤشرات خط الفقر لدى الإحصاء المركزي تتكلم عن مبالغ أعلى من قيمة الـ200 و 400 شيقلاً بكثير، وتصل إلى 1400-1500 شيقل ومن يتقاضاها يعاني ويندرج ضمن الفئة التي تعيش تحت خط الفقر، متسائلاً “فكيف الحال لمن يتقاضى 200 أو 300 شيقل؟“.

وواصل “المرجعية لتنفيذ الإجراءات بهذا الشأن في رياض الأطفال وغيرها من الأماكن التي يتقاضى بها العمال أجور زهيدة تحتاج إلى ضابط، وهذا الضابط لن يكون سوى من خلال الحد الأدنى للأجور الذي سوف يمكن مفتشو وزارة العمل من إصدار محاضر ضبط وإنذارات لأصحاب العمل المخالفين، وهذا ما لم يتم إقراره حتى اللحظة“.

بصيص أمل

وألمح حبوش لـ الخامسة للأنباء، ببصيص أمل، حيث أكد على أنه يتم إعداد تصور كامل وعمل اجتماعات وورش عمل من أجل الوصول وتحديد حد أدنى للأجور يتوافق مع الحالة العامة التي نعيشها.

وفيما يتعلق برؤية الوزارة حول الحد الأدنى للأجور قال “هذا الأمر لا يتم تحديده بشكل اجتهادي، بل يعتمد على مؤشرات ومحددات من ضمنها غلاء المعيشة ونسبة الفقر ومتوسط عدد أفراد الأسرة واستهلاك الفرد الواحد والالتزامات الأخرى وغيرها، مما يجعله إجراء أعمق من إمكانية تحديد مبلغ بشكل فردي، حيث تعمل على ذلك خمس جهات هي وزارة الاقتصاد والتعليم والعمل ومنظمات أصحاب العمل والعمال، إلى جانب الاستعانة بالدراسات المختصة والمتعلقة بالموضوع“.

مفارقة عجيبة بين حجم المسئولية التي تحملنها تلك معلمات الروضات في غزة على عاتقهن، من رعاية وتربية إلى تعليم وتأسيس قيمي واجتماعي وعلمي للصغار بمرحلة ما قبل المدرسة، ولمدة تصل إلى نصف النهار يومياً، مقابل سحت المال الذي يجنينه، خصوصاً في ظل الغلاء المعيشي الذي يشهده قطاع غزة المتوالي الأزمات، مما يجعلهن يعشن تحت خط الفقر المدقع.

لا خيارات

ولدى سؤالها عن الأجر الذي تتقاضاه، تقول المربية أ. ن، لـ الخامسة للأنباء “مرتبي 300 شيقل في الشهر، أساعد والدي الذي يعمل سائق أجرة في مصروف البيت بمائة شيقل منها، وما يتبقى منه أحاول أن أقضي به احتياجاي اليومية الخاصة ومواصلاتي اليومية من وإلى الروضة“.

وفيما يتعلق بمدى رضاها عن الأجر الشهري الذي تتقاضاه قالت “هو بالتأكيد مبلغ تافه ولا يكفي لأي شيء، ولكن أنا أنهيت دراستي الجامعية وهذا هو العمل المُتاح أمامي، والدي بالكاد يستطيع أن يوفر لنا لقمة العيش، فكيف لي أن أمد يدي له من أجل احتياجاتي الشخصية؟“.

واقعٌ صعب

السيدة ع. ج، وهي أم لطفلين في الروضة، ترى أن الأجر الذي تتقاضاه الروضة عن طفليها (100 شيقل شهرياً)، معتدل، وفيما يخص رأيها بأجور معلمات الروضات في غزة قالت “الله يعينهم، أعرف أن الأجور التي يتقاضوها ليست جيدة، ولا تكفي لتغطية مواصلاتهم اليومية ولكن هذا حال البلد والواقع المر الذي نعيشه، أحياناً عندما يتوفر لدي مبلغ مالي بسيط أقوم بمساعدة معلمة أبنائي، وهذا بالتأكيد ليس حلاً لأنها لم تدرس وتكافح لتكون في النهاية عالة على الآخرين، أو لتتلقى الصدقات من الأهالي“.

معاملة سيئة

وتحدثت المربية ع. ف، وهي إحدى مربيات رياض الأطفال بغزة وخريجة مرحلة أساسية، بتحفظٍ تجاه ذكر اسمها كي لا تفقد مصدر رزقها، حيث قالت “كله كوم ومعاملتنا كوم ثاني، فالمعاملة السيئة لا تنتهي، وعدم تقديرنا وتحفيزنا شيء سلبي يحبطنا ويجعلنا نكره هذه المهنة لكن للضرورة أحكام”.

وأخيراً.. أجورٌ زهيدة، لا تكفي لسد الاحتياجات الأساسية، فكيف بالرفاهيات أو الأمور شبه الأساسية؟ فمن يعيش في قطاع غزة يعرف تماماً مدى غلاء الأسعار وصعوبة الحياة، وخصوصاً في ظل الواقع المهني الصعب والفقر والبطالة والإغلاق الذي نعيشه، فلا مربيات رياض الأطفال منصَفاتٌ في أجورهن، ولا أصحاب العمل يستطعن تلبية مطالبهن، لاسيما وأنه ليس بمقدورهم رفع قيمة الرسوم الشهرية للطلاب بسبب الوضع الاقتصادي العام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى