طوفان الأقصىمقالات الخامسة

كي لا تضيع دماء شعبنا هدرًا

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

شبكة الخامسة للأنباء _غزة

كتب جمال زقوت

المشهد الإنساني في قطاع غزة يفوق الوصف، فقد بات مليونان وربع مليون إنسان فريسة لكل أشكال الإبادة الجماعية الوحشية بين فكي الموت الذي يلاحقهم في كل مكان، والتهجير القسري سواء داخل القطاع، أو احتمال فرضه كأمر واقع عبر الحدود إلى سيناء، وما سيولده ذلك من اتساع نطاق المأساة الإنسانية الأبشع في العصر الحديث.

مأساة غزة ومسؤولية جميع الأطراف

قناة واتس اب الخامسة للأنباء

إن مأساة غزة تظهر فشل النظام الدولي والمأزق الذي تفرضه الولايات المتحدة على قواعد وتوازنات دور هذا النظام الذي يجري تحديد ملامحه، سيما في ظل استمرار حرص البيت الأبيض على الانحياز المطلق لإسرائيل دون أي اعتبار لا للإرادة الدولية بإفشال مشروع القرار العربي لمجلس الأمن الداعي لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، حيث انفردت واشنطن بالڤيتو ومنعت تمريره، ولا للإرادة الشعبية التي تطوف عواصم العالم، رغم ما يجلبه هذا الموقف من ضربة تعرض ليس فقط مصالح واشنطن في المنطقة لخطر جدي، بل وبما يُعرِّض مكانة حلفائها في المنطقة لمخاطر متفاقمة أمام شعوبها، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن إدارة بايدن تبدو غير مكترثة كثيرًا لتحولات الرأي العام الدولي، بما في ذلك داخل الولايات المتحدة، حيث تتراجع فرص نجاحه بسبب دعمه لاستمرار العدوان الإسرائيلي، فقد اقتربت نسبة الرافضين لسياسته هذه لحوالي 70%.

ومع ذلك تكتفي الإدارة بمسكنات لا تتجاوز الحديث اللفظي الذي تنقصه المصداقية عن ضرورة التزام إسرائيل بعدم استهداف المدنيين الذين يسقطون بالآلاف، جلهم من الأطفال والنساء في مشاهد مروعة تحركها الرغبة الإسرائيلية الوحشية في الانتقام والقتل لمجرد القتل دون تمييز، أو الحديث الأجوف عن رفض التهجير في وقت تستمر فيه القوات الغازية في اغتيال مصادر الحياة بكل مكوناتها في القطاع المدمى والمدمر، والذي إن لم يتوقف العدوان فورًا، فلربما سيصبح التهجير القسري يبدو وكأنه الحل الإنساني لإنقاذ من لم يحصد العدوان أرواحهم.

هذا بالإضافة إلى استمرار مجرد الكلام عن حل الدولتين التي تواصل إسرائيل اغتياله في الحرب المستمرة ضد شعبنا في قطاع غزة، في وقت تتواصل فيه خطة الضم والاستيطان التي تقودها حكومة الحرب والضم بزعامة «نتانياهو، سموتريتش، وبن غفير» في سائر أرجاء الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة.

لقد كشفت هذه الحرب أيضًا مدى عجز النظام العربي، الذي أنهكته الحروب والصراعات البينية، لدرجة أن أصبح دوره ينحصر في مجرد مناشدات تبدو كعلاقات عامة، ولم يتمكن من تنفيذ قرار قمته المشتركة مع منظمة التعاون الإسلامي لكسر الحصار عن القطاع، لتزويد أهلنا فيه بالحد الأدنى من ضروريات الحياة والبقاء، والتي بدونها سيصبح التهجير القسري واقعًا لا يمكن تفاديه، بما يشكله من مخاطر استراتيجية على القضية الفلسطينية والأمن القومي العربي ذاته.

أما على الصعيد الفلسطيني، فقد كشفت هذه الحرب مدى العجز الذي ولدته سنوات الانقسام على النظام السياسي، حيث بدت القيادة المتنفذة للمنظمة والسلطة الفلسطينية، وكأنها تنأى بنفسها عما يجري من إبادة جماعية، مسقطة نفسها في ادعاء حكومة الحرب الإسرائيلية بأن حربها على القطاع هي مع حماس، كما عبر عن ذلك الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية في تصريحاتٍ لفضائية الحرة، في وقت أن الأهداف العشوائية التي تستهدف قطاع غزة تحصد حياة المدنيين الأبرياء، سيما من الأطفال والنساء، وكذلك المشافي ومراكز الإيواء التابعة للأمم المتحدة. هذا بالإضافة إلى أن حرب الإبادة ضد شعبنا كان من المفترض أن تغلق أي فجوة تعيق إنهاء الانقسام إذا أرادت الأطراف أن ترتقي إلى مستوى المخاطر والتحديات الداهمة، ولحماية المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية المستهدفة بالتصفية من خلال حرب الإبادة الجارية في القطاع، وحرب الضم والحسم التي تمضي على قدم وساق في أرجاء الضفة الغربية المحتلة .

القيادة المتنفذة و«انتظارية الفتات».

لقد بات واضحًا أن «انتظارية الفتات» التي تسيطر على مواقف القيادة المتنفذة تزيد من عزلتها الشعبية، وتقوض شرعيتها يومًا تلو الآخر.

فما الذي يمنع هذه القيادة من التواصل مع القيادة السياسية لحركة حماس من أجل بلورة رؤية مشتركة لعمل فلسطيني موحد وفق مبادرة سياسية محددة بالتوافق مع الأطراف العربية الفاعلة من أجل محاصرة العدوانية الإسرائيلية ومن يساندها بغية الوصول لوقف إطلاق النار بشكل نهائي وملزم؟ ولماذا أيضاً لا يتم بحث مشترك لإعادة بناء منظمة التحرير وتصويب مسار ودور وبنية السلطة الوطنية بمشاركة جميع الأطراف الفاعلة وفي مقدمتها القيادتان السياسيتان لحركتي حماس والجهاد؟ لماذا يترك الحال للأطراف الخارجية ولإسرائيل أن يقرروا مصير غزة، في وقت أن الجميع يدرك أن استراتيجية إسرائيل في القطاع كانت دومًا وستظل تتركز في فصله عن الضفة الغربية لقصم ظهر المشروع الوطني، ومنع شعبنا من تقرير مصيره. وعندما أهال انفجار السابع من أكتوبر التراب على استراتيجية نتانياهو التصفوية هذه، أعادت إسرائيل لجدول أعمالها مخططات التهجير القسري لشعبنا في القطاع، كي تمنع قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وقابلة للحياة، وهذا ما يجاهر به نتانياهو وغلاة عصابة اليمين الاستيطاني في حكومته.

حماس بين الوحدة والبدائل

تغطية مستمرة.. تابعونا على قناة شبكة الخامسة للأنباء في تيلجرام

ومن ناحية أخرى، ورغم تفهم العتب من قبل القيادة السياسية لحركة حماس على عدم تواصل القيادة المتنفذة معها، إلا أن عليها أن تدرك أن الذهاب بعيدًا، سيما بعد انفجار السابع من أكتوبر الذي انفردت به، وما ولده من تداعيات على الكل الفلسطيني، للبحث في تشكيل شرعيات جديدة، مهما كانت ذرائعها، لا يمكن أن تصب في حماية الحقوق والمصالح الوطنية، الأمر الذي يُملي على القيادة السياسية لحركة حماس النزول عن هذه الشجرة التي لن توصلنا إلى أي مكان بقدر ما قد تعرض انجازات شعبنا بما فيها انجازات حماس نفسها للتبديد، سيما في وقت تبدي فيه فصائل المقاومة قدرة فائقة على الصمود والمواجهة، ومن موقع الارتقاء بالمصلحة العليا، والوفاء للتضحيات العالية التي يقدم شعبنا دفاعًا عن حقوقه ومقاومته المشروعة.

إن هذا يملي وبصورة مباشرة على حركة حماس المبادرة الفورية لتقديم خطة وطنية تقطع الطريق على القوى المعادية، وأن تتحرك باتجاه دخول منظمة التحرير وتشكيل قيادة وطنية موحدة في إطار مؤسساتها وتحت رايتها والتوافق مع جميع مكونات شعبنا الوطنية والاجتماعية، لنضع حدًا لكل سياسات البدائل والتفرد والإقصاء، ولتعود المنظمة جبهة وطنية وائتلافًا عريضًا يضم مختلف التيارات والاجتهادات الوطنية والفكرية والاجتماعية، وقادرة على استنهاض وتوحيد وقيادة نضال شعبنا للتحرر الوطني بكل أبعاده، وتتوافق في نفس الوقت على تشكيل حكومة انتقالية مفوضة للقيام بواجباتها المتفق عليها حتى إجراء الانتخابات في الموعد الذي يتم الاتفاق عليه.

إن هذا المدخل يشكل الرافعة الوطنية الوحيدة لإعادة بناء المؤسسات الوطنية الجامعة على أسس وطنية ديمقراطية وفق أولويات وطنية جوهرها الصمود الوطني وتوفير كل متطلباته، سيما ما يتعلق بإعمار القطاع وتوفير حياة كريمة لجميع أبنائه وبناته، وكذلك دعم صمود شعبنا وقدرته على مواجهة مشروع الضم والتصفية في الضفة الغربية .

حرب الإبادة وأزمة المشروع الصهيوني

لقد أظهرت هذه الحرب الأزمة التاريخية للمشروع الصهيوني، ومحاولات غلاة عصابة الحرب والاستيطان حل هذه الأزمة على حساب حقوق شعبنا والأمن القومي العربي. وما استمرار حرب الانتقام والإبادة الدموية إلا أحد تجليات هذه الأزمة، ومحاولة الهروب من استحقاقاتها، وعلى مدى التحلي بالحكمة والمسؤولية والالتزام المطلق بالمصالح والحقوق الوطنية، وما تستدعيه من توحيد الحركة الوطنية ومؤسساتها الجامعة، يتوقف إمكانية تعميق أزمة الاحتلال الذي تحاصره انتفاضة الرأي العام الدولي، ودفعه مجبرًا لإنهاء احتلاله العنصري، لأن الفشل في ذلك سيعني التضحية بالتضحيات الهائلة التي قدمها شعبنا، وربما تمكين الاحتلال من تصفية حقوقنا الوطنية، وهذا ما لن يسمح به شعب فلسطين الذي يناضل من أجل عودته وتقرير مصيره وحريته وكرامته على مدار عقود طويلة.

إن العودة لمسار الوحدة هو الكفيل باستنهاض طاقات شعبنا، وتصليب الموقف العربي واستثمار الانتفاضة الكونية ضد العدوان لتغيير مواقف عواصم القرار الدولي، بما في ذلك مواقف البيت الأبيض نحو ضرورة إنهاء أطول وآخر احتلال في العصر الحديث، وتمكين شعبنا من تقرير مصيره.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى