شبكة الخامسة للأنباء - غزة

تقرير خاص| محمد كمال وشاح
يشهد قطاع غزة، أبشع إبادة جماعية في تاريخ العصر الحديث، مما زاد من معاناة الغزيين الذين يعيشون ظروفاً قاسية منذ سنوات الحصار والتضييق المُستمر، حيث بلغ الغلاء ذروته وأصبح الأعلى عالمياً في ظل ظروف قاهرة ومأساوية لا تُطاق.
ويعد “تضخم الأسعار” الهاجس الأكبر لدى المواطنين الغزيين، وارتفاع الأسعار بشكل جنوني مما أثر سلباً على جودة معيشتهم وأدت بالفعل إلى اتساع دائرة الفقر وزيادة حالات الإضطراب الإقتصادي.
المواطن هو المتضرر
تتداخل عدة عوامل في تفسير إرتفاع الأسعار في غزة خلال الحرب، أبرزها الاحتلال الإسرائيلي وسيطرته المُطلقة على كافة المعابر الحدودية. الاحتلال يفرض قيودًا صارمة على حركة البضائع والسلع، ما يؤدي إلى نقص كبير في المواد الأساسية وزيادة تكاليف النقل والشحن.
إضافة إلى ذلك، أقدم جيش الاحتلال على تدمير جميع المصانع وتدمير شبكة الكهرباء بالكامل وكل سبل الحياة في القطاع.. وهنا بدأت المعاناة الكبرى بدأ التجار في القطاع الخاص بالإستيراد من اسرائيل في ظل غياب الرقابة الداخلية في غزة وبدأت السلع الغذائية ومواد التنظيف ترتفع بشكل كبير .
حيث قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي باختيار عدداً من التجار المسموح لهم بالاستيراد خلال الحرب، وأصبح القطاع التجاري مرتعاً لتجار الأزمات والحروب من أصحاب الأموال الذين يبتزون المواطن الغزي في لقمة عيشه ويضيقون الخناق عليه أكثر فأكثر في ظل غياب كامل للرقابة الحكومية الذي سعى الاحتلال جاهداً لتدمير كل مقومات الحكومة في القطاع.
وخلال مقابلة لـ الخامسة للأنباء مع التاجر إبراهيم السيد في مخيم النصيرات، الذي يستورد جميع السلع الغذائية خلال الحرب يقول أن سبب الإرتفاع الكبير على أسعار السلع هو الاحتلال وسياساته وغياب الأمن والأمان في القطاع.
ويُبرر إبراهيم سبب الغلاء من خلال عدة أمور وهي “إرتفاع أسعار النقل ووقود الشاحنات وأيضاً تكلفة تأمين الشاحنات من قطاع الطرق واللصوص وتأجير بركسات بمبالغ طائلة”.
في نهاية المطاف المتضرر الأكبر هو المواطن الغزي المكلوم الذي يسعى للحصول على أدنى مقومات الحياة، فهو يقع بين فكي تجار الحروب والمحتكرين وبين إحتلال نازي يسعى لقتله بكل الطرق المُتاحة.
ورغم كل ذلك، فإن تأثير هؤلاء التجار يبقى ثانويًا مقارنة بالحصار والقيود التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي.
التكيف اضطراراً وليس خياراً
مع استمرار الحرب والحصار المُطبق على غزة، بدأ سكان القطاع التكيف مع الأوضاع الصعبة، وإن كان هذا التكيف اضطراراً وليس خياراً، فقد سدت كل الطرق في وجههم.
ويُضيف الشاب محمد عيسى، وهو أب لخمسة أطفال نازح في خيمة في مواصي خانيونس جنوب القطاع أن لم يرى أصعب من هذا العام في حياته وأنه فقد كل ما يملكه بيته ومصدر دخله ورغم مرور عام على الحرب إلا أنه لم ولن يعتاد الفقر والقهر في هذه الظروف القاهرة.
وتشير تقارير برنامج الغذاء العالمي والأونروا إلى أن الأسر الغزية تعتمد بشكل متزايد على المساعدات الإنسانية والتكيات التي تطهو الطعام بشكل يومي للناس، وتقوم معظم الأسر إلى تقلص عدد الوجبات اليومية وتناول وجبة واحدة فقط في اليوم.
ورغم هذا التكيف الملحوظ، لا يمكن الجزم بأن الناس اعتادت على هذا الوضع المأساوي، بل يُنظر إلى هذا التكيف على أنه استراتيجية بقاء في ظل غياب حلول فورية للأزمة.
السكان لا يزالون يعيشون تحت وطأة الفقر والقلق والتوتر والقصف في كل دقيقة، ما يُفاقم الأزمات الإجتماعية والنفسية لديهم.
أزمات اقتصادية مُركبة
الأزمات المُستمرة والحصار والعدوان المُتكرر على قطاع غزة، نتج عنه تغييرات كبيرة في هيكلية الإقتصاد، ومن غير المُحتمل أن تعود الأسعار إلى مستوياتها قبل الحرب والإبادة الجماعية على المدى القصير أو المتوسط.
وفقاً لتقرير الأونكتاد، فإن استعادة الإقتصاد لوضعه الطبيعي يتطلب رفع الحصار بشكل كامل ودائم، وإعادة بناء البنية التحتية المُدمرة، واستئناف النشاط التجاري .
حتى في حال انتهى العدوان الإسرائيلي، فإن إعادة الإعمار وحده يحتاج لسنوات طويلة، وسيظل قطاع غزة معتمدًا بشكل أساسي على الواردات والمساعدات الإنسانية الدولية، ما يجعله من الصعب عودة الأسعار إلى ما كانت عليه قبل هذه الإبادة الجماعية للبشر والشجر و كل ما هو حي في غزة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تدهور القوة الشرائية للمواطنين بسبب فقدان الموظفين لعملهم وإرتفاع معدلات البطالة والفقر يجعل احتمال انخفاض الأسعار ضئيلاً دون تغييرات جذرية في السياسات الإقتصادية والمعيشية في القطاع.
الغلاء ونقص السيولة
يتعرض المواطن الغزي المكلوم لإستغلال واضح من محلات الصرافة وتجار المال، أو من يطلق عليهم البعض “تجار الحروب”، الذين يصرون على الحصول على عمولة مالية مرتفعة والتي تزيد عن 25٪ مقابل عمليات تحويل الأموال التي أصبح كل غزي تقريباً مضطراً إليها في ظل نقص السيولة الحاد.
حيث يعاني قطاع غزة بأكمله من توقف عمل البنوك من بداية الحرب المدمِّرة بسبب إنعدام السيولة النقدية، مما جعل السكان عُرضة للاستغلال مع مرور الوقت.
وفي مقابلة لـ شبكة الخامسة للأنباء مع المواطن رمزي أحمد، الذي يعمل موظف لدى السلطة الفلسطينية يقول أنه يضطر إلى دفع أكثر من ربع راتبه الشهري لأحد الصرافين كي يحصل على سيولة نقذية.. ويضيف أين وزارة النقد وأين المسؤولين.. أليس هذا رزقي ورزق أطفالي يقاسمونني في قوت يومي .
ويلعب نقص السيولة دورًا رئيسيًا في التضخم في غزة، حيث يعتمد السكان في غزة بشكل أساسي على البنوك والتحويلات النقدية من الخارج، ومع ذلك فإن وصول هذه الأموال يتأثر بفرض الاحتلال لقيود على تدفق النقد إلى القطاع. نتيجة لذلك، يعاني السكان من قلة السيولة المتاحة لشراء السلع الأساسية، وهو ما يؤدي إلى انخفاض القدرة الشرائية. بالتوازي مع نقص السيولة، يستمر الطلب على السلع، ولكن العرض المحدود والنقص في البضائع يجعل الأسعار ترتفع بشكل كبير.
ويعد نقص السيولة مشكلة هيكلية مرتبطة بسياسات الحصار والتحكم في التدفقات المالية، مما يجعل أي جهود لتخفيف التضخم تعتمد بشكل مباشر على تخفيف هذه القيود.
حصار اسرائيلي مشدد
يُعد الاحتلال الإسرائيلي المتحكم الرئيسي في طبيعة وكميات البضائع التي تدخل إلى قطاع غزة. حيث تفرض سلطات الاحتلال الإسرائيلي قيودًا مشددة للغاية على السلع المسموح بإدخالها عبر المعابر الحدودية، حيث تحدد أنواع البضائع المسموح بها بناءً على اعتبارات أمنية وسياسية لا أساس لها، تشمل هذه القيود مواد البناء، الوقود، الأدوية والمواد الغذائية الأساسية.
وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، فإن إسرائيل تتحكم أيضًا في الكميات المسموح بدخولها، وتكون الكميات التي تصل إلى القطاع غير كافية لتلبية الإحتياجات الأساسية للسكان.
يؤدي هذا التحكم إلى نقص في المعروض من السلع، مما يزيد من الطلب ويؤدي إلى إرتفاع الأسعار بشكل مستمر. كما تتحكم السلطات الإسرائيلية في نوعية المواد التي يمكن استخدامها في إعادة الإعمار، مما يؤثر سلبًا على تسريع عملية التعافي الإقتصادي في القطاع.