مقالات الخامسة

اللواء “أبو طعان” دفع ضريبة غالية تمسكاً بالقرار الوطني الفلسطيني المُستقل!

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

بقلم: هيثم زعيتر

برحيل اللواء الرُكن مُصطفى ذيب خليل “أبو طعان” عن (86 عاماً)، تخسر القضية الفلسطينية مُناضلاً فذاً من الطراز الأول، وعي باكراً النضال لأجل فلسطين، فتصدى للاحتلال الإسرائيلي، في مُختلف الميادين، مُنذ أن التحق بالعراق، ثم على طول جبهات القتال، من: مصر، وغزة، والأردن، وسوريا ولبنان، فالتزم المبادئ، ودافع بشجاعة عن القرار الوطني الفلسطيني المُستقل، ودفع الضريبة الغالية تمسكاً به.

تشاء الظروف أن أتعرف إلى اللواء “أبو طعان” مُنذ الصغر، من خلال علاقته وصداقته مع والدي، وكنت أسمع عن شخصيته وصلابته، وتكررت المُناسبات والمحطات التي عرفته فيها في لبنان أو داخل الأراضي الفلسطينية المُحتلة.

لم تُغيره الأيام، ولا السنون، ولا الظروف، ولا إغراءات المراكز، بل زادته مزيداً من التمسك الايماني بالدين الإسلامي الحنيف، فأدى مناسك الحج والعمرة مرات عدة. زهداً، مُعتكفاً، مُتعبداً، مُحيياً قيام الليل، وحافظاً وُمرتلاً القرآن الكريم، فأتم ختمته آلاف المرات، وتبحر بالأحاديث المأثورة، فأضحى صاحب رؤية ايمانية، تحدث قبل سنوات عديدة عما نحن نعيشه الآن!

تميز بالجرأة والصراحة، وعدم المُواربة، بل قول الحقيقة، حتى لو كانت جارحة، أو يدفع ثمن ذلك، فحظي بالاحترام والتقدير.
شغل “أبو طعان” عُضوية المجلس الوطني الفلسطيني، والمجلس الاستشاري لحركة “فتح”، وهو عُضو سابق في المجلس الثوري لحركة “فتح”، وتولى قيادة “الكفاح المُسلح الفلسطيني” في لبنان بين العامين 1974-1982، وقيادة “غرفة العمليات المُشتركة” لقوات “مُنظمة التحرير الفلسطينية” لمنطقة شمال لبنان، وقيادة العمليات العسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي على طول الحدود اللبنانية مع فلسطين المُحتلة، كما شغل منصب مُلحق عسكري فلسطيني في الكويت ودول عدة في الخليج.

“أبو طعان”، المولود في العام 1936 في بلدة الشيخ داود في الجليل الأعلى شمال فلسطين، خلال الثورة العربية الكبرى، كان فتى خلال ارتكاب العصابات الصهيونية المجازر ضد أبناء شعبه في العام 1948، فاضطرت عائلته للجوء إلى مُخيم نهر البارد في شمال لبناني.

كان في طليعة الشُبان الفلسطينيين لبوا نداء المُفتي الحاج أمين الحسيني بالخضوع لدورات عسكرية، فتوجهوا إلى العراق، ثم انتقل إلى مصر، ومنها إلى قطاع غزة في العام 1965، ضمن “قوات التحرير الشعبية”، قبل أن يُغادره بعد هزيمة حزيران/يونيو 1967 إلى الأردن، حيث عمل على تنظيم المجموعات الفدائية، وكان قائداً للقطاع الأوسط لـ”قوات التحرير الشعبية” في منطقة السلط، وخاض معارك ضارية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي.
هناك انضم تحت إمرة هذه المجموعة، الشيخ فهد الأحمد الجابر الصباح الذي عُرف باسم “أبو الفهود” (المُولود في 10 آب/أغسطس 1945، الابن التاسع والأصغر لأمير الكويت الشيخ أحمد جابر الصباح)، الذي التحق في العام 1968 بحركة “فتح” لتدريب الفدائيين على الأسلحة والمدفعية في “معسكر الهامة” في دمشق، قبل أن يُغادر إلى الأردن، بعدما أوكل إليه الرئيس ياسر عرفات مُهمة التدريب والقتال في مناطق: السلط، الكرامة، الشونة الشمالية وغور الصافي، وشارك في “معركة الكرامة” في 21 آذار/مارس 1968، قبل انتقاله إلى لبنان في تشرين الأول/أكتوبر 1968، وبقي على علاقة وطيدة مع “أبو طعان”، وساعد حركة “فتح” على مُستويات عدة، واستمرت علاقة “أبو طعان” مع عائلة “أبو الفهود” بعد استشهاده، حيث كرمه أبناؤه.

شكل “أبو طعان” الخلايا الأولى للثورة الفلسطينية في لبنان، في بداية العام 1969، حين وصل من الأردن مع عدد من الضباط، وساهم في تدريب الشبان في دورات عسكرية على أسلحة والقيام بدوريات استطلاع.

تسلم مسؤولية قيادة “الكفاح المُسلح الفلسطيني” في لبنان مُنذ العام 1974، فكان حازماً، واستطاع فرض الأمن ومُعاقبة من يُحاول الإخلال به، والعمل على مُعالجة الأزمات الاجتماعية، وأيضاً تأمين الحماية لمنازل سياسيين لبنانيين وعدد من السفارات العربية.

حزم “أبو طعان” بالتعامل لفرض الأمن والانضباط، أدى إلى حصول إشكالات عدة له مع عدد من القيادات والفصائل، فطلب منه “أبو عمار” مُغادرة لبنان، وكانت الوجهة مُلحقاً عسكرياً في الكويت.

بعد خروج الثورة الفلسطينية من لبنان في 30 آب/أغسطس 1982، وعودة “أبو عمار” إلى طرابلس في الشمال في العام 1983، وحصاره هناك، تولى “أبو طعان” مسؤولية “غرفة العمليات المُشتركة” لـ”مُنظمة التحرير الفلسطينية” في الشمال، وحصلت مُواجهات بين الفصائل الفلسطينية ومُنشقين عن حركة “فتح” بدعم سوري، فاعتقل بتاريخ 7 تشرين الثاني/نوفمبر 1983، في منطقة دير عمار، من قبل مجموعة تتبع “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” – “القيادة العامة”، وأبى أن يُذيع بياناً يُساوم فيه على العهد الذي قطعه مع الرئيس “أبو عمار”، برفض إعلان انشقاقه عنه.

حدثني اللواء “أبو طعان” بأسى بالقول: “الأسى ما بينتسى”… وهو يروي كيف أن الراحل “أبو عمار” طلب منه حماية أحمد جبريل وإخراجه سالماً من الحصار الذي فرضه عليه أمين عام “جبهة التحرير الفلسطينية” محمد عباس “أبو العباس” بعد انشقاقه عنه، وقد سبق ذلك انشقاق جبريل عن جورج حبش، وكيف تمكن “أبو طعان” مع الشهيد “أبو حسن” سلامة من ذلك، ما أدى إلى استشهاد عدد من رفاقه في هذه المُهمة، التي أنجزت بإيصال جبريل سالماً إلى حاجز يتبع للقوات السورية في منطقة عرمان، وكان جبريل يجلس إلى جواره، لكن لم يرَ رداً للجميل سوى سجنه 21 عاماً في سوريا، لرفضه التخلي عن القسم لـ”أبو عمار”، الذي كان وفاءه بأن رعى أسرته، وكان زائراً لها في الأعياد، وعاملاً على تعليم أولاده في الجامعات، ومُواسياً وبذل كل ما في وسعه للإفراج عنه.

وعلّق على ذلك: “أن “أبو عمار” وعد ووفى، ولم يدخر جهداً من أجل إخراجي من السجن إلا وقام به، لكن لم يُكتب لذلك النجاح، وأنا لست نادماً أنني وفيت له مهما كان الوفاء صعباً”.
سجن “أبو طعان” في “سجن صيدناية” في سوريا لمُدة 21 عاماً، قضى منها 17 عاماً في زنزانة انفرادية و3 سنوات في المهجع، وهناك فقد احدى عينيه، ولم تنفع الوساطات العربية والدولية بالإفراج عنه، إلى أن تم ذلك في 1 شباط/فبراير 2004 ضمن 12 سجيناً فلسطينياً.

في السجن تعرف إلى كثر، من بينهم شاكر العبسي، الذي أصبح لاحقاً أمير تنظيم “فتح الإسلام”، وخضر شهاب قدور “أبو هريرة” الذي أصبح أحد أبرز مسؤولي هذا التنظيم، وتشاء الصدف أن يُكلف “أبو طعان” بالتفاوض مع العبسي بعد اعتداء مجموعة من تنظيمه على الجيش اللبناني في 18 أيار/مايو 2007، لكن لم تُثمر المُفاوضات مع العبسي ثنيه من وقف اعتدائه على الجيش اللبناني، الذي تمكن من إنهاء حالته في 2 أيلول/سبتمبر 2007.
علاقة اللواء “أبو طعان” مع الأطراف اللبنانية، اتسمت بشفافية ومصداقية، خاصة مع الرئيس صائب سلام، واستمرت مع نجله الرئيس تمام سلام، الذي استقبله مراراً، قبل أن يقوم بزيارته في منزله في دوحة عرمون، وهو رئيس للوزراء يوم الاثنين في 13 حزيران/يونيو 2016.

ارتبط بعلاقة صداقة مع عميد “اللـواء” الأستاذ عبد الغني سلام ورئيس التحرير الأستاذ صلاح سلام، وهو من كان يتابع التواصل بشأن العمليات الفدائية، حيث شارك الأستاذ صلاح سلام بالتغطية في أغوار الأردن، وأصيب بجراح في غارة إسرائيلية استهدفت منطقة السلط في آب/أغسطس 1968، واستشهد فيها الرائد خالد عبد المجيد.

زار “أبو طعان” أرض فلسطين للمرة الأولى في آب/أغسطس 2009، مُشاركاً في انعقاد “المُؤتمر العام السادس” لحركة “فتح”، الذي أقيم في بيت لحم بين 4 و15 آب/أغسطس 2009، وكانت وجهته الأولى إلى ضريح الرئيس الشهيد ياسر عرفات في رام الله، حيث انهمرت الدموع من مقلتيه، على من تبادل وإياه العهد، الذي اتسم بوفاء مُشترك.

كما التقى بابنته والعديد من أفراد العائلة، وتمكن من تحقيق حلمه بزيارة القدس والصلاة في المسجد الأقصى المُبارك.
في فلسطين، شاهدنا كيف كان كثر يقتربون من “أبو طعان” للسلام والمُصافحة والتحية، وهم الذين سمعوا عن صُموده دفاعاً عن القرار الوطني الفلسطيني المُستقل بعدم التخلي عن “مُنظمة التحرير الفلسطينية”.

كرمه رئيس دولة فلسطين محمود عباس بمنحه وسام “نجمة القدس العسكري” تقديراً لدوره الريادي في مسيرة الشعب الفلسطيني، وذلك خلال استقباله في 6 تموز/يوليو 2013.
كما كرمه سفير فلسطين لدى الجمهورية اللبنانية أشرف دبور، بتقديم درع تذكاري تقديراً لمسيرته النضالية الطويلة ومُساهماته الكبيرة في تاريخ النضال وخدمة أبناء الشعب الفلسطيني، في 24 كانون الثاني/يناير 2012.

خسارة كبير برحيل اللواء “أبو طعان”، الذي تبقى سيرته العطرة مُناضلاً صلباً، تقتدي بها الأجيال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى