مقالات الخامسة

خالد شحام: يا بن غفير ائتنا بجندك إن كنت من الصادقين.. لماذا مرضت روح الأمة؟

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

صباح الثلاثاء الماضي أقدم (وزير الأمن) الصهيوني بن غفير على اول فعلة تحد واحتكاك ميداني بزيارته للمسجد الأقصى مرسلا مجموعة من الرسائل المشفرة في كل الاتجاهات و ضاربا بعرض الحائط كل دعوات السلام والتهدأة والمصطلحات الكذابة اياها التي تُقرَأ على رؤوسنا مثل المعوذتين، ليس هذا كل شيء! فالسيد نتانياهو ( رئيس الوزراء ) يصرح حول زيارة بن غفير قائلا “للشعب اليهودي حق حصري لا جدال فيه في جميع مناطق أرض إسرائيل”

ليس هذا كل شيء أيضا! فمن المقرر أن تتوجه الســلطة الفلســطينية خلال الفترة القريبة المقبلة بشــكل رسمي إلى محكمــة العدل الدوليــة للطلب منهــا إصدار قرار (فتوى ) بشــأن الآثارالمترتبة على انتهاكات إســرائيل المستمرة بحق الشــعب الفلسطيني بتقرير المصير، بناء على القــرار الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة! ولا تتعجلوا فهذا ليس هذا كل شيء فلدينا مزيد من اللكمات الموجعة لدولة الكيان! فالدبلوماسية العربية ( تأسف ) لفعلة بن غفير، وتتمنى لو أنه لم يفعلها ونحن بدورنا نتمنى في المرة القادمة أن تبحثوا عن كلمة أكثر تلطفا من قوة وهول هذه التعبيرات التي أصبحت عنيفة جدا و لا تتناسب مع زمن السلام والزغاليل!

لو كانت الأمور في مواضعها الصحيحة لكانت المظاهرات اليوم تعم شوارع العرب، زيارة بن غفير ليست هي التحدي الحقيقي ولا رسائله المشفرة، ما يخيفنا جميعا هو المشهد السكوني العربي والاسلامي، لقد وصلنا إلى مرحلة تحولت فيها القضية الفلسطينية إلى بيع الترمس على بوابات الأمم المتحدة واستجداء الخارجين من الاجتماعات والتعلق بأرجلهم تماما مثل الفقيرات اللواتي يلقين بأنفسهن عند قدمي مسؤول حكومي عند نزوله من سيارته استجداءا لعلاج طفلتها أو تأمين قطعة من الحياة، هذا ما وصلنا إليه بالضبط بفضل النهج المخطط الذي قادت إليه كارثة اسمها أوسلو وجماعات ( الضغط الناعم ) ومنظومة الركوع العربي من شرقها حتى غربها .

لقد تحولنا إلى مهزلة وتحولت قضايانا العادلة الى ممسحة طاولات يلهو بها فريق الأمين العام والناطق الرسمي والسكرتير الأكبر ومجلس الأمن وهيئة العدالة الأممية ومجلس حقوق السعادين وكافة أشكال المسميات المخزية الجالبة للذل والهوان، هل تعرفون ما يجري ؟

لنفهم ما يجري يجب أن نذهب بعيدا عن السياسة ونتوجه نحو الداخل العربي الذي يبدو معزولا ومسالما آمنا، أمة بكامل عددها وعدتها تحمل فكرا من شهامة العروبة وكرمها وأخلاقها الحميدة وتحمل رسالة الإسلام بكل أشكال المعرفة الآخلاقية التي فيها تقف اليوم على جرف السيل الذي تذهب اليه بقدميها، ما الذي يحدث لهذه الأمة ولهذه الشعوب ؟ كيف وصل بنا الحال إلى هذا القطع المظلم من الليل دون أن ننتبه ؟ كيف يعقل ان لدينا كل وسائل العلم والمعرفة والاطلاع ونحن لا نزال نمارس الثمالة بالخوف والأفيون التكذيبي ؟ أين هو الخلل ؟

الإجابة أيها السادة لا تختلف عن تلك الإجابة التي تفسر المرض الجسدي، فإذا مرض أحدنا او إصابته علة جسمانية يقفز الطب ليوضح لك بان ما أصابك هو عدوى ما أو كائن طفيلي ما اخترق جهازك المناعي وحقق الإصابة! ولذلك فعليك بالعلاج ثم بتعزيز مناعتك! ولهذا السبب شاهدتم كيف رحنا نعزز اجسامنا بالزنك وحبوب فيتامين دال والعصائر والمغذيات إبان خديعة كورونا لنكتشف فيما بعد أننا نعيش أسوء من الفيروسات .
إن مصاب الأمة لم يخرج عن هذا السياق لأننا جميعا مصابون بضعف مناعي من نوع خاص! ضعف في جهاز المناعة في شقه غير المرئي أو غير المنظور، هذا الجهاز اسمه جهاز المناعة الروحي!

جهاز المناعة الروحي أو المعنوي أو سموه بما شئتم هو الشق التؤام المكافىء غير المنظور لجهاز المناعة المادي والجسماني الذي يشتغل ليل نهار في جسدك ليذود عنه ضد ملايين محاولات الاختراق، هذا الشق لا يمكن قياسه بالأدوات العلمية ولا تشريح الجسد للكشف عنه لأنك لن تجد شيئا ولكن يمكن إدراكه بأداوت من مثل جنسه تسمى أداة البصيرة وطمأنينة القلب وسكينة الروح حيث تمثل هذه مجسات عالية الجودة ومرهفة الميزان وليس بإمكان العلم أن يتواصل معها أو تخضع لقوانينه أو منهجيته، إنها جزء من المعرفة الراقية والعليا التي تسمى الفلسفة الايمانية.

جهاز المناعة الروحي مثله مثل جهاز المناعة الجسدي يتألف من تشعبات وتفرعات وميكانيزميات متنوعة تخدم ذات الغرض، في جهاز المناعة الجسدي يوجد لدينا حائط صد تلقائي يكافح ويمنع ويصد هجمات بكتيرية وفيروسية وفطرية ومسببات مرضية لاتحصى ولو توقف هذا الجهاز دقيقة واحدة لهلك وتهاوى الإنسان دفعة واحدة، في جهاز المناعة الروحي لدينا حائط صد متين أيضا ولكنه موارب بمهارة في هذا الجسد ويمكنك أن تنظره إذا تمكنت من تشريج الجسد الثاني الذي تعيش فيه دون أن تراه، إنه حائط صد وحماية من كل الموبقات والوساوس وكل أشكال الطاقة المخلوقة وغير المنظورة التي يمكنها أن تلحق الضرر بالروح والعقل والقلب بشكل بالغ .

في جهاز المناعة الروحي يتحالف العقل مع فطرة الإنسان وشيء من طاقة مودعة في هذه الروح ليشكل هذا التحالف قنوات وشبكة الدفاع عن الكيان الإنساني الفردي ويحوله إلى جندي حقيقي من جنود الله والمؤمنين بما أنزل وبما شرع، ولذلك تتكون حولك منطقة تسمى حقل الطاقة المناعية.
جهاز المناعة الروحي الخاص بالفرد ثم لأمة يمكن الاحتيال عليه والتخلص منه بنعومة بتغليفه بورق السولوفان عبر عدة سنوات خداعات ثم ركنه في زاوية من الحياة او الجسد حتى إشعار آخر، يمكن فعل مثل ذلك من خلال أدوات وآليات كثيرة بسيطة ومعروفة وتطبق بغزارة من مثل :

نشر ثقافة ( الفن ) والفنون والمغنيين والمغنيات وتكريس بذور الجنس والحب القائم على الشهوات من خلال جيش طويل عريض من الفضائيات والإذاعات والمسابقات والمهرجانات وشبكات الخلويات التي أصبحت ميدوزا العصر بلا منازع، هذا النهج كفيل بسحب كل طاقات العقل والروح نحو الحضيض وتعتيم مناعة الروح ومنحها جرعة منشطات حركية ثم تذبل بعد لك نحو الأبد .

تحييد دعاة الأمة والمفكرين الكبار وتقزيم أية فعاليات أو خطط او مشاريع من شأنها الإمساك على اخلاقيات الأمة وثقافة الإسلام ونخوة العروبة وكرامة اللغة العربية .

إغراق الشعوب بالثقافة الاستهلاكية الغربية وعزلها عن فكرة الأرض والزراعة والصناعة والعمل اليدوي المنتج ورجم كل هذا بالتخلف والرجعية ثم تقديس ثقافة العمل من خلال الانترنت والبورصات الوهمية والفورتكس وعمولات البنوك وفوائد الادخاروأسواق المال وروعة القروض والحلول الذكية وكل هذا يحول جهاز المناعة الروحي إلى كيان لا وجود له من الأصل.

إفقار الشعوب وتسخير كل طاقاتها العقلية والمعنوية والمعيشية لتبقى مثل ثور الساقية تدور ليل نهار كي تؤمن الحد الأدنى من لقمة العيش وتسديد الفواتير وكلف الكهرباء والماء والوقود والعلاج والسكن والطعام، ابتلاع كامل قوتها المعيشية من خلال منظومة ضرائب لاتسمح حتى بلحظة سكينة أو تأمل أو تطوير في الحياة، من شأن هذا أن يخلق مواطنا مصنوعا من البلاستيك لا قلب ولا عقل له ولا هدف في كل حياته سوى أن يكون من القوارض .

عزل الفرد والشعوب عن أفكار الحرية والتعددية والديموقراطية و مصادر الإلهام والتوجيه الفكري السليم ويتم ذلك من خلال دعم شخصيات شيطانية وتحييد ومطاردة واعتقال كل صاحب فكر حر أو مرشد، تقييد حرية الصحافة والصحافيين وتحويل هؤلاء بمعية أئمة المساجد ودعاة الدين إلى مجرد طبقة ميك أب على الوجه الرسمي القبيح وتحويل رجال المؤسسات الأمنية إلى وعاظ ومحللين صحافيين وكتبة أعمدة وناصحين لفقهاء الأمة ووطنيين اكثر من الشهداء .

التحالف مع اعداء الأمة ومصافحتهم أمام عدسات الكاميرات ومباركتهم بفوزهم في الانتخابات والتنسيق معهم على أنه مصلحة قومية وذلك لخدمة أجندات نتانياهو وغفيرياهو وعباسياهو وأعرابياهو وكل جماعة الياهو الذين يملؤون بلادنا شرقا وغربا، هذه الرسائل والمؤشرات الصغيرة تكفل إغلاق أية بارقة أمل وتحويل المعارضة العربية إلى الارشيف وإطفاء كبسة تشغيل جهاز المناعة الروحي للأمة والطلب منها أن تذهب للنوم المبكر حسب نظرية الحفاظ على الطفولة .

تطبيق استراتيجية الألهاء المستمر وشغل العقل والذهن بمليون موضوع وقصة وقصة حتى لا يحدث أي متسع من الوقت أو الفكر المخصص لتنمية جهاز المناعة الروحي .

عندما يُثَقب جهاز المناعة الروحي يمكن للإنسان عندئذ أن تتم هزيمته على يد حدث صغير أو وجبة طعام كمثال، عندما يتهاوى جهاز المناعة المتعلق بأمة باكملها يصبح أي انتصار صغير للعدو مدعاة لذعر واسع الانتشار وتهويل يجعل البشر يتقوقعون في زمانهم ومكانهم، عندما يترقق جهاز المناعة الروحي للأمة فإنها تفقد الثقة بنفسها وبقوتها وتتحول كل اداوت النصر بين أيدينا إلى زوائد لا نعرف ماذا نفعل بها، عندما يبدأ هذا الجهاز بالذوبان والإنكماش تحت جرعات العوز والإفقار والتحطيم المعيشي تدخل الأمة غرفة الإنعاش ولن يكون بمقدور أي شيء ان يوقظ ضميرها أو روحها أو وعيها، لن يستفزها أنها تنتهك وتستباح، لن يستفزها أن أوركس مثل بن غفير يقتحم أقدس مقدساتها، لن ينفع أن اراضيها تؤكل وشعبها يُقتل، لن ينفع أن العدو قتل إمرأة شريفة أو ذبح خمسة شبان فلسطينين، لن يحرك شرف الأمة أن بضعة من خنازير المارينز اغتصبوا حرة عراقية أو اختطفوا قرية سورية وشردوا شعبا بأكمله، لن ينفع أن حكام الذل والهوان يركبون رقبة الشعوب وعروا إنتماءهم وكشفوا حقيقة ولائهم وأصولهم، كل ذلك لن يكون ذا جدوى فحيثما تهاوى الجهاز المناعي للأمة تهاوى غشاء البكارة الروحي الذي يمثل أرفع الشرف لها .

عندما يسقط جهاز المناعة الأخلاقي أو الروحي لن ينفع بناء المشاريع وعقد الصفقات وتسول المساعدات، لن تنفع حبوب الزنك ولا فيتامين دال ولا عصير البرتقال واللحوم المشوية لأنها كلها تترجم داخل الجسد المريض للأمة إلى منهكات للكبد والاعضاء ويحتار الجسد كيف يقبل شيئا لا يستحقه وكيف يضع شيئا في غير موضعه فتتحول هذه إلى ذخيرة لتعزيز الهزيمة ومدها بالفيتامينات الكافية كي تبقى!

عل كل يا سادة يمتلك جهاز المناعة الروحي قدرة عجيبة على التعافي وإستعادة مكانته، أنظروا كيف أسيرا مثل كريم يونس قدم الرد الفوري إلى جماعة الغفيرية بأنه مستعد لتقديم 40 سنة أخرى من عمره لأجل فلسطين، تقول الشواهد التي لا تخطىء بأن شباب فلسطين يمتلكون جهاز مناعة عجيب، ليس لأنه حصين أمام الفيروسات الصهيونية فحسب بل لأن أثره يتعدى الفرد ويتسبب بعدوى حميدة للآخرين، إنه قادر على إحداث شفاء وعلاج عن بعد لروح الأمة بأكملها عندما يتحرك في مكانه، إنه جهاز المناعة الفريد الذي يشع بهالة مفرطة من الطاقة التي تنعش الموتى وتقلقل الشهداء في قبورهم فرحا، إنهم الشباب والجيل المقيم في كل مدن فلسطين : غزة وجنين والخليل ونابلس والقدس، هؤلاء هم من سوف يكسر طوق الفولاذ كي يحرر كامل الشعوب العربية ويحرر روح الأمتين العربية والاسلامية المأسورة منذ احتلت فلسطين وسرقوا حياتنا وبلادنا، إذا أراد السيد بن غفير وإلهه الأكبر استدعاء جنوده فليفعل، ونرجوه أن يفعل! وإذا أراد إستفزاز مشاعر هؤلاء المتفرجين فليفعل! نحن لنا رسائلنا المشفرة أيضا و شعبنا الحي سيكون لكم بالمرصاد .

كاتب عربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى