مقالات الخامسة

رجب أبو سرية: مسيرة الأعلام.. إعلان حرب

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

الخوف من سقوط الحكومة البديلة، والخوف المضاعف من الذهاب لانتخابات مبكرة، تكاد تكون محسومة وفق استطلاعات الرأي في إسرائيل التي توقعت أن تحصل أحزاب اليمين، سواء تلك التي في الحكومة وهي ثلاثة أحزاب (إسرائيل بيتنا، يمينا، وأمل جديد)، أو تلك التي في المعارضة (الليكود والصهيونية الدينية)، على 60 مقعدا، بما يمكنها من تشكيل حكومة دون الأحزاب الدينية ودون العرب بقائمتيهما، أي حكومة يمينية متجانسة رغم تعددها الحزبي، يدفعان كلا من بيني غانتس ويائير لابيد ليكونا ملكيين أكثر من الملك، أي يمينيين أكثر من نفتالي بينيت الذي بالتأكيد حتى في حال ضمه الليكود لاحقا إلى الحكومة، فإنه لن يكون لا رئيسا للحكومة ولا حتى وزيرا مهما فيها.
أي أن أركان الحكومة الإسرائيلية اجتمعوا على التطرف، وعلى الانضمام لجوقة التطرف الديني/الاستيطاني التي تجتاح إسرائيل منذ أن فقدت حكومة بينيت/لابيد الأغلبية البرلمانية البسيطة، والتي تجاوز فيها التطرف الديني حدود التطرف الاستيطاني، في اقتحاماته للمسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي، وبما وصل به للإعلان بصراحة عن ممارسة الشعائر التلمودية في باحة المسجد الخاص بالمسلمين، وذبح القرابين، وحتى التهديد والإعداد لهدم المسجد وبناء الهيكل المزعوم بدلا منه!
والحقيقة أن أداء الحكومة الإسرائيلية على جبهة الاستيطان والتهويد يرضي تماما اليمين والتطرف في إسرائيل بدليل أن المعارضة لم تنتقد الحكومة من هذه الزاوية، الحكومة التي تعتقد أن هذا الطريق هو الوحيد الذي يطيل في عمرها وينقذها من السقوط في المدى المنظور، ذلك أن حليفها «العربي» متمثلا بكتلة عباس منصور، ما زال صامتا حيال هذا الأمر، بل إنه لم يقم بأي ردة فعل مهمة حتى حيال إرهاب الدولة الذي مورس ضد قرى النقب، وهكذا يكاد المراقب عن بعد لا يرى أي فارق بين حكومة بينيت/لابيد وبين حكومة بنيامين نتنياهو السابقة، بل أكثر من ذلك يكاد المرء لا يصدق أن هذه الحكومة مشكلة من ثمانية أحزاب منها حزبان يساريان وثالث عربي، وحزبان وسطيان، فيما تشكل أحزاب اليمين الثلاثة الأخرى الأقلية فيها، حيث يبدو أن كل القاعدة البرلمانية للحكومة المكونة من ستين نائبا، وكأنها أعضاء في حزب يمينا بزعامة نفتالي بينيت.
لكن مع الاصطفاف الداخلي وراء تطرف الحكومة على صعيدي إطلاق إرهاب المستوطنين الذي انتشر في عموم الضفة الفلسطينية، وجماعات التهويد في القدس، إلا أن الجانب الأمني الإسرائيلي يتخوف من رد الفعل الفلسطيني المجتمع هو بدوره في كل الأرض الفلسطينية ويشمل كل مكونات الشعب الفلسطيني، سلطة وفصائل ومواطنين، وبما يشمل قطاع غزة والقدس والضفة والداخل والشتات، لذا فإن الإجراءات الأمنية منفلتة بدورها من عقالها، من حيث حشد القوات الأمنية والعسكرية داخل القدس والضفة وعلى حدود القطاع، بنصب القبة الحديدية، وكذلك داخل مدن الداخل المختلطة من اللد والرملة وحيفا والنقب وغيرها.
أما عن المحيط السياسي، فهناك عوامل إضافية تدفع الحكومة الإسرائيلية لمتابعة هذا الطريق الخطير، ومنها: إغلاق باب التفاوض حول الحل السياسي، الذي يقر بوجود الصراع أو على أقل تقدير الخلاف السياسي حول القدس والأرض المحتلة في الضفة الغربية، وذلك منذ أكثر من ستة عشر عاما، وهذا يجعل المتطرفين اليهود من المستوطنين والمتدينين يعتقدون أن القدس والضفة ما هي إلا «أرض أو مناطق إسرائيلية» يسري عليها القانون الإسرائيلي وليس القانون الدولي، كأرض محتلة، وحيث إن المجتمع الدولي ما زال عاجزاً عن فرض إرادته، فإن ذلك يغري هؤلاء لمواصلة محاولة فرض الحقائق التهويدية على مجمل أرض الدولة الفلسطينية، ومنها أيضا انشغال العالم بما فيه الولايات المتحدة التي على غير ما بدأت به عهد جو بايدن، تصمت بشكل مريب، وذلك لرغبتها في تركيز الاهتمام العالمي على الحرب الروسية – الأوكرانية، وكذلك بسبب من الصمت العربي، وبشكل خاص منه الخليجي.

وبالنظر إلى أن الموجة السابقة من التطرف والعنف الاستيطاني والتهويدي المترافق مع إرهاب الدولة متمثلا في اجتياحات الجيش لجنين، والمترافق مع اقتحامات جماعات التهويد وقطعان المستوطنين للحرم، والتي جرت في رمضان الشهر الماضي، والتي فشلت في تنفيذ مسيرة الأعلام، التي سعت لاستثمار عيد الفصح وما يسمى عيد الاستقلال، حيث لم ينظر المتطرفون من جماعات التهويد للحكومة على أنها تخاذلت، بل على أنها انحنت للعاصفة، عاصفة ردة الفعل الفلسطينية، فإن حكومة بينيت – لابيد – غانتس جعلت من يوم الأحد بعد غد يوما لنيل رضا نواة التطرف الانتخابية الصلبة، متمثلة بجماعات التهويد، بحيث أنها وافقت على تسيير تلك المسيرة، بما يضمن التطاول على مشاعر وحقوق الشعب الفلسطيني، بمرورها من باب العامود والحي الإسلامي في القدس المحتلة.
والأمر ليس مجرد مناسبة، ولا يعتبر حدثا رمزيا ولاحقا في التعبير، بل فعلا احتلاليا، يقول من خلاله المتطرفون الإسرائيليون – ولا فرق هنا بين مستوطنين أو متدينين وبين المستوى السياسي والعسكري الرسمي – للفلسطينيين بأن هذه الأرض بما فيها الحي الإسلامي وباب العامود والقدس هي أرض إسرائيلية، لذا فإن الصراع بين تنفيذ المسيرة والتصدي لها، إنما يلخص جوهر الصراع بين الاحتلال والمحتلين، بين إسرائيل بمستوييها وبين الشعب الفلسطيني بكل مكوناته، وهذا يعني أن الكل الفلسطيني معني ومطالب بالتصدي لمسيرة الأعلام الاحتلالية الإسرائيلية، التي تشكل رأس حربة الاحتلال وقمة تطرفه وتطاوله على الشعب والحق الفلسطيني.
وحيث إن حال القدس والضفة، بقي ضمن مرحلة الترقب والانتظار طوال عشرين سنة، أي منذ العام 2002، حين أقرت إسرائيل بإقامة السور الواقي، بأن كل ما وراء السور هو فضاء فلسطيني، فإن المواجهة التي ستقع بعد غد، ستعني بكل بساطة وضع حد لمرحلة الترقب والانتظار، باندلاع مواجهة لا بد منها، لتغيير الحالة الراهنة والمستمرة منذ عشرين سنة، فالحروب دائما تكسر حدة الصمت، وتؤدي إلى متغيرات جديدة، وإذا كانت إسرائيل تعلن عن الحرب مع الشعب الفلسطيني كله مجددا بإعلانها مسيرة الأعلام، وذلك بسبب رغبة حكومتها في استمرار الاحتلال، وفي استثمار الظرف الإقليمي والدولي، فإن الشعب الفلسطيني يجد نفسه مضطرا لها بسبب التخاذل العربي/الإقليمي والصمت الدولي، وبهدف مشروع، وهو تحرره وتحرير أرضه لإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني.
وهكذا فإن الحرب المحتملة، ما هي إلا حرب بين قوة إرهاب الدولة وجماعات التطرف اليهودي، وبين المقاومة الشعبية المشروعة للشعب الفلسطيني، وهي بين العدوان الإسرائيلي ومقاومته الفلسطينية التي لا بد أن تنتصر طال الزمان أو قصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى